من المسائل الأساسية التي تحدث عنها القرآن و ذكرها مفصلة باهتمام و عناية بالغة هي العلاقات والروابط الأسرية أو ما يسمى في الفلسفة بإدارة المنازل .
وكذلك للقرآن طريقته الخاصة في الحديث عن المسائل الاجتماعية بشكل عام و العلاقات الأسرية بشكل خاص ..
فهو لا يتحدث عنها في دائرة الحقوق و الواجبات القانونية فقط وإنما بأفق أوسع من ذلك ..
جانب التهذيب و البناء الروحي والفكري :
كتب الأحكام والقوانين و الحقوق تتناول الجوانب الإلزامية و القانونية وبعض الجوانب الأخلاقية ولكن القرآن يعمد للحديث عن الأبعاد القيمية التي تبتني عليها الحقوق و الأحكام، ولذا لا فرق في القرآن بين الحقوق ، و القيم فكلها وحي الهي وآيات سماوية يتعامل معها بنفس الأهمية.
و اتخذ القرآن احكم التدابير لبناء العلاقات الأسرية بالشكل الذي يتناسب وينسجم غاية الانسجام و المبادئ و الأسس العقائدية و القيم التي يحث عليها ويدعو إليها..
ولا يجد المطلع أدنى اختلاف أو تخلف أو تناقض أو تساقط بين الواجبات الإلهيه والحقوق الأسرية ..
بل الأمر بعكس ذلك تماما.. فان حق الرحم و الحقوق الأسرية من اعظم الحقوق الإلهيه وكما جاء في الخبر أن الرحم معلقة بالعرش..
أي أن الروابط و العلاقات والعواطف لم تبن على أساس إشباع الغرائز و الحاجات البدنية المحدودة المؤقتة و المصالح المادية بل لها جذر تكويني أصيل ..لذا هي معلقة بساق العرش .. ترتوي من عالم القدس ومصدر التدبير .
إن ما يجده الإنسان من انجذاب وانعطاف وميل نحو أسرته واهل بيته له اصل معنوي عميق في عالم الخلقة وخلفه حكمة بالغة, و قد جائت التعاليم الالهية لترشد الانسان إلى كيفية توظيف هذه العلاقات والروابط والعواطف والميولات اتجاها روحي ومعنوي يتحد و المنظومة المعرفية التوحيدية
فليس هناك توصية بوظيفة شرعية او ادب او خلق الا هو فرع متولد عن ذلك الاصل ولذا هي تلوذ بالعرش ونلحظ ان هذه الوظيفة متبادلة بين افراد الاسرة تدور بينهم على حد واحد لان منشاها هي الاهلية و الرحمية ويمكن ان نعنون هذه النكتة
اتحاد اللاهداف وتنوع الوضائف الاسرية :
الاية ﴿ قوا انفسكم واهليكم نارا ﴾ نتسائل إلى من يتوجه الخطاب في هذه الاية؟؟؟؟؟ ومن هو المامور بهذا الخطاب؟
يمكننا ان نقول ان الخطاب لم يوجه لفرد في الاسرة بعينه وان كان طبيعة وجود الام والاب وتقدمهم في التجربة و الخبرة و السن قد يوهم ان الخطاب موجه اليهما بالدرجة الاولى لكن يمكننا ان نقول ان القرآن في تعيينه للوظائف الاسرية يخاطب ا لوالدين احيانا.. ﴿ اعلموا انما اموالكم و اولادكم فتنة ﴾و احيانا يخاطب الابناء فيقول ﴿و بالوالدين احسانا ﴾ ولكن هنا يبدو ان الخطاب يشمل جيمع الطراف على حد سواء للاباء و الابناء وذلك لان زاد التقوى هي الوقود التي تغذي الكوكبة الاسرية والقافلة العائلية لاداء الوظائف الاسرية على حد سواء فهي مسئولية الجميع هي بمحل القطب من الرحى تدور احكامها بينهم لانشاء افضل بنيان واحسن تاسيس .. ولكل دوره بحسب موقعه فلا تعارض في الاغراض والاماني والاهداف والطموح
بل بناء مرصوص اصلا بأ وارحامأ
ويمثل لذلك استاذنا الجوادي الاملي .. ان البناء الاسري الالهي كالبنيان المتراص يحتاج الى الطوب وكذا يحتاج الىالماء ليشده اليه فالرحم تقوم بدور الماء الرابط بين الابعاض والطوب هو الصلب وهو علة القوة والصلابة وعدم التواني في حماية الاهداف الاسرية.. للذكر دوره و للانثى دورها. (انتهي )
وذلك ان اغلب الاختلافات الاسريه والمشاحنات العائليه سببها اختلاف الاغراض والاهداف والاهواء وتحديد القيم والمهم والاهم التي تحرك باتجاهات متضاربة متناقضة فتصطك القلوب وتتحاك النفوس ولذلك طريق الحق والخير والتقوى صراط واحد واسع رحب ولهذا صح الامر بالمسارعه والمسابقه فيه ( سا رعوا الى وغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض) (سابقوا الى مغفرة من ربكم)..ففي الصراط الواحد الواسع الاحب الدي عرضه السموات والارض وان تسابق الناس فيه ولكنه لا يورث الصدام .
بل هو المورد الوحيد للتنافس والتسابق حيث لم تامر الشريعة بالتسابق نحو مطلوب غيره وجاء في روضة الكافي .. ويارحب الفناء بفناء رب العالمين
ونحن نفترض ان وضيفة التقوى تشبه الى حد بعيد اداء المسؤ ليات البيتيه فانها موزعة بين جميع الاطراف كل بحسب موقعه ومن كل بحسب قدراتة وفي الروايه ما من شيئ في عالم الملك الا وله شبه في عالم الملكوت .. اي التقوى عالم الملكوت البيتي والاسري وكما تقسم الادوار في الاداره والتدبير المنزلي الملكي المادي بشكل حكيم ومدروس بحسب وضع الاطراف ومكانتهم كذا تقسم الوضائف الملكوتية
ومن يقرأ الايات والروايات التي تتحدث عن ملاقات الارحام في الجنه وشفاعة الاتقياء من ابناء الاسرة كل منهم للاخر يجد هذا المعنى واضحا بل في الرواية ..يشفع المؤمن لاهل بيته حتى لخادمته يقول الهي خويدمتي كانت تفرش لي الفراش .. فتدخل بشفاعته الجنة.وليس هذا الا دليلا على السنخيه الروحية التي تؤهل لنيل الشفاعه وان اختلف العمل
﴿ افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان الخير ﴾ وجاء في الاخبار افضل بيت بني في الاسلام هو التزويج
ثم هناك نكته في تقديم الانفس على الاهل ايضا يتساوى فيها الجميع .
الرابع:العمل ميدان التجربة :
لماذا قدم الانفس على الاهل ﴿ قوا انفسكم واهليكم ﴾ إذا لاحظنا فقد جاء عطف الاهل على الانفس بالواو وكما نعلم فان العطف بالواو لا يفيد الترتب ولا التراخي، بمعنى لا تاتي الوظيفة الاسرية متاخرة رتبة عن الوظائف الاسرية فلذلك لم يقل "قوا انفسكم فاهليكم"..
كذا ليست الوظائف الاسرية اقل اهمية من الوظائف الذاتية و النفسية ولذلك لم يقل "قوا انفسكم ثم اهليكم " فلذلك هما وظيفتان متحدتان من حيث الرتبة والاهمية .
إذا ما هي النكتة في تقديم الانفس؟؟
يلفت الشهيد المطهري إلى مسالة اساسية ومؤثرة في مقام التربية واداء الوظائف الاسرية. ومفاد هذه النكتة هي ان التقوى ليست من الامور التي تتحصل بالامر و االنهي والارشاد والتعليم والتوصية .
وانما التقوى امرا عمليا ووجدانيا وروحي بالدرجة الاولى، وفرق كبير بين العلوم النظرية و العلوم الروحية و الوجدانية لان الاولى تتحصل بالتعليم والتوجيه واما العلوم الروحية فلا تتحصل إلا في مقام العمل والاداء ..فاذا كان الذي يامر بالتقوى لا يعمل بمقتضياتها فمحال ان تؤثر وصاياه لخلق التقوى في القلوب .
الوقاية هي ايجاد الجو والحائل من دخول النار فهو امر روحي ومن طبيعة الامور الروحية انها لا تؤخذ عن طريق العلم و التعليم فقط بل انها تنتقل عن طريق روحي .
قد يتمكن شخص ان يعلم اخر امرا لا يلتزم به بينما لا تشع النفوس الفاقده للايمان ايماناوايجاد هذه النورانية في القلوب لا تمر الا عبر القلب الواجد لها . لا بد ان توجد في القلب لتنتقل لان انتقالها طبعي .
.والذي في قلبه تقوى ينقلها الى الاخربصورة طبيعية.التقوى المركبة من العلم والمعرفة والنورانية والخوف والخشية التقوى ليست من مقولة العلم .
وانما ان صح التعبير هي مركب من مزج العلم بالعمل. لان طبيعة التقوى امر له ابعاد روحية والابعاد الروحية لها طرق معينة وطريقها هو الدافعة والجاذبة
. هناك قوى في باطن الانسان تجذبه للخير وتدفعه عن الشر ان عدمت هذه القوى فلا يمكن التاثير على الاخر اذ لا جاذبية . كالفرق بين المغناطيس والحديد ,ظاهرهما واحد بينما في المغناطيس طاقة يفقدها الحديد . الذي يجذب هو المغناطيس لا الحديد الفارغ من الطاقة .
ولاشك انه بالاحتكاك و المعاشرة تنتقل الطبائع و القيم و العادات بشكل خفي.
ينقل عن الشاه ابادي استاذ الامام الخميني قوله "ان الطبيعة خير سارق": أي ان الخصال و الاخلاق تاخذ محلا في النفس بالمعاشرة و المجالسة بشكل خفي و والطبائع تسرق من النفوس بشكل لاشعوري فحينما تجالس كرماء النفوس و اصفياء القلوب فان طبيعتك سوف تتاثر بهم وكذا العكس فلو عاشرت اهل الرذيلة سوف تكتسب منهم لاشعوريا ايضا ..
هناك بيت شعر بالفارسي مفاده... ان الصلاح والفساد يتنقل من صدر إلى صدر وفي خفاء .
انطر إلى الماء كيف اخترق صدر الصخر اثر المجاورة.
فضج ايها العاشق لانك ما جاورت المعشوق:
و المهم هنا ان للمعاشرة الاسرية الاثر البالغ في انتقال التقوى و تلقي البرامج التربوية و الانضباط العملي واتباع القوانين الاخلاقية و الاعتقاديئة و تطبيق المعايير و القيم الدينية في اجواء الحب و الود و التي تخلق في الانسان الشعور بالواجب امام المسئوليات الدينينة فهو هنا لاياخذ القوانين الالهية و الدينية في ظرف الامر و النهي و التذكير المتواصل خصوصا إذا ضممنا إلى ذلك الميل الفطري الطبيعي داخل الاسرة فانه عادة يكون الحاكم هو الحب و الود وحسن الظن والاسترسال والاسترخاء ولذا فالانسان يرث( عبر عوامل عدة ومنها عقله العملي ) من اهل بيته الفضائل و المثل و الجو العائلي يعطي للانسان فرصة ,وتجربة يعيش في نفسه المثل و القيم الدينينة ويحصل على شعور باطني من ضبط النفس و العزم على ضبط السلوك ا يعيش التقوى في جو الكرامة وادراك الذات وتفعيل صفات الخير المودعة في اعماقه.. والكرامة هي الامنية الانسانيه الثمينه ولذا قرنت التقوى بالكرامة ﴿ان اكرمكم عند الله اتقاكم﴾
ولهذا تتسع مدارك الكمال الروحي في هذا الجو نابعة من ذات الانسان
ونحن نعلم ان اعطاء المعلومات الذهنية المتراكمة لا تؤدي هذا الغرض.
إذا حللنا مفردات التقوى نجدها مفهوم له مصاديق عدة :
1. الانضباط.
2. الدقة.
3. محاسبة النفس.
4. الصدق.
5. الاخلاص.
6. التدبير.
7. سعة النظر
8. عدم التسرع في الحكم على الاخر
9. تحمل الصعاب
10. التطلع للاخلاق الحميدة
وكل هذه من شؤون العقل العملي وميدانها التجربة العملية....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق