الخميس، 3 أبريل 2014

وجود نماذج مختلّة في الحوزة العلمية لا يعني ان هذا هو الأصل

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ«1» يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ«2»﴾.

إن المواعظ والعبر، والمفاهيم والصور والقيم كثيرة مبذولة، تعرض على قلبي وقلبك، وتمر على ذهني وذهنك.

إن الهداية متاحة لكن تحتاج إلى قلب حي وزكي ورغبة جادة، ما أكثر العبر وأقل المعتبٍر، ما أكثر الأدلة، في كل شي له آية، في كل شي له دليل، ولكن لمن ملك الإدراك والاستعداد، والحكمة ضالة المؤمن.

المؤمن الذي هيأ قلبه وأشغل روحه بالحث عن الحقيقة والهداية والرشاد قليل الموعظة يفيده وبسيط الفكر يهديه وبسيط الإرشاد يرشده وأما الإنسان المشغول في باله وفكره وهمه بشؤون الدنيا والنظر إليها فكثير الموعظة وتكرارها والأدلة والمرشدات كلها لا تغنيه عن الحق شيئا إن اتباع الهوى يصد عن الحق وطول الأمل ينسي الآخرة إذا عاش الإنسان دنياه في هواه وآماله تمتد كلما امتد به العمر هنالك يضل ويشقى.

أيها المؤمنون نحن اليوم نعيش أمس الحاجة إلى أن نشعر بجرس الإنذار الذي يقرع في آذاننا كل يوم وتنادينا الأدلة والبراهين والحجج إلى النزوع عن حالة الغفلة والاسترسال وإتباع الهوى وطول الأمل، ولكن وكما تقول الروايات «سكرة الغفلة أشد من سكرة الخمر» فيرتجى من المخمور أن يستيقظ ولا يرتجى ذلك ممن أخذته غفلة الهوى وطول الأمل وشغله كسب الدنيا والنظر إلى الدنيا، إن من ينظر إلى الدنيا يعمى ويتيه وتختلط عنده المفاهيم والقيم.

إن واقعنا البشري اليوم يمثل المستوى الأدنى في الحركة الإنسانية طول تاريخها المديد نعم كانت البشرية في مرحلة من مراحلها تعيش حالة من الجهل تعيش حالة من الغفلة وهذا ديدن الإنسان وانما تبقى لبعض القيم تبقى لبعض الفطرة تبقى لبعض الأحاسيس والوجدان بعض الأمل هنا وهناك فتأتي النبوات ويأتي الصالحون ليثيروا دفائن عقول البشر فيأخذوا بأيدهم إلى سواء السبيل، نحن اليوم نعيش ظلمات بعضها فوق بعض إذ أن الأهواء في اوسعها وابسطها للإنسان لعله لم يتمتع الإنسان في تاريخه المديد بترف كما يعيشه اليوم، لم يعش الإنسان إرباك فكري في منظومته الفكرية كما يعيشه اليوم وإذا اجتمعت الأهواء والإرباك الفكري على قلب الإنسان فحري به أن يسير في وديان الهوى والغلفة والتيه.

إننا في مثل هذه الأجواء وحيث نعيش انموذجا حيا في قلوبنا ومشاعرنا إذ نعيش اليوم ذكرى شهادة عالم جليل حي بفكره وقيمه ومبادئه وتصوراته حي في ضمائرنا حي في واقعه إنه آية الله العظمى الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه هذا الإنسان الذي عاش في واقع كواقعنا عاش معادلات تشبه معادلاتنا إنه إنسان معاصر لا نتكلم عن إنسان قد قضى عليه التاريخ.

فقد استطاع هذا الإنسان من خلال مجموعة من الخصائص ومجموعة من العناصر مجموعة من المواصفات التي تجسدت في هذا الإنسان أن يمثل هذا النموذج الأتم لشريحة رجل الدين بل هو النموذج الأتم للإنسان الواعي الفاهم العاقل المتوازن، استطاع في بدئ أمره أن يفهم الدين وقيم الدين ويتبنى الدين، يتبناه بفكره وفهمه لم يرثه وراثة لم يكن الدين عن الشهيد الصدر مجرد سلوك كما هو عند الكثير سواء كان في الدائرة الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية، كل من هذه الملل أبناؤهم يتبنون هذه الديانات لم يكن هو من هذا القبيل لكنه يختار ما يعتقد به ويؤمن به فيأخذه أخذا قويا بطمئنان قلبي يأخذه عن عقيدة عن وعي وفهم، ومالم يتفق مع فطرته ووجدانه لا يقبل به.

ومن هنا تجسدت في نفسه منظومة متكاملة للدين لم يكن إلتقاطيا لم يكن تأخذه التصورات الموروثة كان يتبنى دينه جزئية جزئية بعد تمحيص ووعي لينظمه نظما متكاملا ليخلق منه منظومة واعية وهذا ما نلمسه ويلمسه كل قراءه على مستوى الفقه والثقافة والمجتمع، وكتب في هذه المجالات كلها، وخرج بحصيلة واعية تحكي عن استيعاب متكامل لفهم الدين لم تكن المسألة معالجة جزئية هناك أو مفرده هناك كما يصنع الفقهاء في ميدان الفقه في دائرة الحوزة، نحن في الحوزة العلمية نعالج كل مسألة كمفردة من خلال مجموعة الأدلة والبراهين الواردة في حق هذه المسألة من غير أن نلحظ المنهجة العامة من غير أن نلحظ الفهرسة، ومن هنا نجد أن الفتاوى مشرّقة في مورد ومغرّبة في مورد آخر على مستوى الاقتصاد على مستوى المجتمع على مستوى المنظومة الفكرية بينما الشهيد الصدر لم يبحث القضايا بحثا فكريا تصوريا ليشبعه معالجة هذه المسألة هنا أو تلك المسألة هناك بل كان يبحثها إيمانا وتصديقا وذوقا فكان هذا المعيار «موافقة الفطرة وموافقة الوجدان» معيار خفي بكل الأدلة والبراهين نعم كان فقيها يلتزم بضوابط الفقه كان مجتهدا كما هو ديدن المجتهدين في معالجته لهذه الجزئيات ولكنه خلف ذلك كان يضع فطرته ووجدانه وأحاسيسه في معيار الوزن وتقدير المفاهيم، فكار رجلا واعيا ملتفتا.

ثانيا كان صادقا مع نفسه كان في غاية الصدق مع مشاعره وأحاسيسه وهذا الذي يخرج الإنسان عن حالة الانقياد للذوق العام والمزاج السائد لاحظوا في مسألة جزئية وقعت أمام الشهيد الصدر في أثناء بحوثه الجزئية وهي الحكم بوجوب قتل المرتد ولكن هذه الواقعة عندما وزنها الشهيد الصدر بميزان الإدراك الوجداني الصادق وجد أنها غير قابلة لتحقيق بعض الظروف الاجتماعية وهذا ما يرشدنا إلى حيثية ثالثة اتصف بها الشهيد الصدر وأسلوبه وهو انفتاحه على الواقع ومعايشة الواقع ووعدم الابتعاد عن ملابسات الواقع لم تكن هذه القيم وهذه الأفكار وهذه المعالجات الفكرية في مستوى برج عاجي أو في مستوى دائرة حوزوية ثقافية أكاديمية أو في عالم بعيد عن ملابسات الواقع ومقتضياته بل كان يعالج كل هذه الأمور ويحسبها حسابا دقيقا على المستوى العلمي والفطري والوجداني ثم يعرضها على الواقع ويجد أنه للواقع مدخلية وهذا ما تشير اليه الروايات ان العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس لا تلتبس عليه الأمور لم تتداخل عليه الأمور من هنا أو هناك، كان محيطا متوازيا واعيا فاهما.

إن مثل هذا النموذج الحي المعاصر الذي يعيش في وجداننا ومشاعرنا وأحاسيسنا إن مثل هذا النموذج اليوم يدفع كثير من الإبهامات والإشكالات التي تثار وللأسف بشكل مدروس في مهاجمة هذه الشريحة التي تمثل مرجعية الناس ودين الناس وإيمان الناس، إنه اليوم يحَاوَل أن يثار التشكيك في طبقة رجال الدين شككوا في جانبهم السياسي وقالوا انهم لا يمتلكون منظومة ولا فكرا ولا توجها وبناء فكريا واضحا ولم يعالجوا لنا واقعنا ثم أثاروا في فترة قريبة الإرباكات الاقتصادية وعدم النزاهة وعدم الاطمئنان في تصرفاتهم أقول أنهم أثاروا موجة من التشكيك والإثارات حول نزاهة رجال الدين حول نقاءهم وتصرفاتهم حول منهجيتهم الاقتصادية وكيف يتصرفون وكأن القضية وليدة اليوم وكأن القضية حادثة هذا الزمان نعم لكل زمان ظرفه ومنهجيته ويحتاج هؤلاء القائمون على الحركة الاقتصادية للشيعة أن تكون منظومتهم شفافة واعية أمينة صادقة ممنهجة ولكن هذا شيء ومعالجة هذه الجهة شيء وإثارة الأقاويل ووإثارة الظنون واثارة الاحتمالات شيء آخر.

أخيرا أثير حول رجال الدين تشكيك في بُعدهم الأخلاقي وثقة الناس بأخلاقهم وتدينهم وهو رأس مال العلماء ورجال الدين هو اطمئنان الناس وثقتهم، نعم لا شك أن وجود بعض العناصر الدخيلة والمتلبسة قد تثير حالة من التشكيك ولكننا من خلال هذا النموذج الحي من خلال الشهيد الصدر نستطيع أن ندعي أنه هو الأصل وهو الأعم والأكثر، وإذا وجد بعض النماذج المختلّة فهذا لا يعني أن هؤلاء هم القانون وهذا هو الوضع العام والصورة العامة لماذا تجعل من النموذج الحي والواعي نموذج منتهي وميت وليس له أثر بينما تؤخذ مفردة هنا أو هناك تقع منها بعض الهنات في بعض الجهات الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية.

إن خصوصية أساسية في حياة الشهيد الصدر يجب أن نضعها بين أيدينا كخاتمة في حديثنا عن هذا الرجل الفذ أنه كان يعيش هم الأمة وأحاسيس الأمة كان صادق العيش في مشاعر أهله وإخوانه وكما يعبر هو لأحبته وأبنائه من الشيعة والسنة والأكراد والعرب وجميع الطوائف كان صادقا في أحاسيسه وكان مفعما بالمشاعر الحية اتجاه أمته وهذا هو مقتضى الإيمان يقول رسول الله «من أصبح لا يهتم بإمور المسلمين فليس منهم» ليست مجرد معصية وأثم بل هو خرج عن الإسلام «ومن سمع رجل ينادي ياللمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» ذكرنا في بعض الأحاديث السابقة أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين أحكام شرعية تكليفية تتوجه للشخص بشكل مباشر وهناك أحكام شرعية تتوجه إلى مجموع الأمة تتوجه إلى الشخص بما هو فرد من أفراد هذه الأمة إن مثل هذه الأحكام الشرعية تكشف عن هذه الحالة البنائية في العقائد الإسلامية وهو إن الإنسان المسلم يعيش هم أمته ويعيش هم عموم الناس والهم العام ومن الحري بنا فعلا أن نراجع كتبات هذا الشهيد ونقرأ كتبه ونقرأ نتاجه ونتلمس مشاعره وأحاسيسه من خلال محاضراته وبالخصوص التي كانت تحكي عن مشاعر وأحاسيس وعن وجدانيات في ضمن منظومته الفكرية المتكاملة، لكي نعيش في منهجه ومسلكه وأطروحته.

وأن لا نغيّب هذه الشخصية في التاريخ بل يجب أن نحي هذه الشخصية في أبعادها من خلال الواقع الذي نعيشه فنعيش هم أمتنا في كل أصقاعنا فيما يجري في العراق وفلسطين وباقي أقطار المسلمين كل ما يؤلمهم يؤلمنا فالمؤمن أخو المؤمن إذا تألم شخص من المؤمنين في اقصى أقطار الأرض فإننا يجب أن لا ننام مطمئنين آمنين بل يجب أن نعيش حالة الهم والألم والأرق هذا إذا كان في أحد الأقطار البعيدة أما إذا كانوا إخواننا في أرضنا كما يعش الآن أخواننا حالة من التضييق والمتابعة على أمور جزئية مثل إقامة الجماعة وإقامة المراسم كما نعيشه نحن قد يكون لنا بعض السعة في هذا المجال مما لا يعيشونه وإنني لا أدعوا إلى منهجية معينة واسلوب معين بل أدعوا إلى الاعتناء والاهتمام وأن يعيش الإنسان ما هو أكبر من همه الشخصي وهمه الجزئي كما عاش الشهيد الصدر. كما ذاب هو رضوان الله تعالى عليه في الإسلام وفي الأيمان وفي القيم ومثل هذه الفيم أفضل تمثيل.

ندعو الله سبحانه وتعالى ان يجزيه عنا خير الجزاء وان يرحمه وأخته الشهيدة التي بذلت من ذاتها في خدمة اخيها وفي خدمة الإسلام وان وفقنا للجد والإجتهاد في الاتباع هذا المنهج الناصع الحي وان لا يبعدنا عنهم ولا يبعدهم عنا في الدنيا والآخرة والحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ليست هناك تعليقات: