الأربعاء، 7 مايو 2014

مفهوم الجمال الحقيقي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين باعث الأنبياء والمرسلين والصلاة والسلام على سيدهم وخاتمهم حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين الهداة الميامين واللعن الدائم على أعداءهم إلى قيام يوم الدين.


قال تعالى : ﴿لَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ(3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ(4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾.

الجمال في هذا الكون وخضوع الإنسان له وتسليمه وإعطاءه إجلال للجمال فطرةٌ فطر اللهُ الخلقَ عليها, ولعلّ من أكثر الأمور وإلى عصرنا الحاضر التي حار الإنسان بها وحار في تفسير هذه الظاهرة هي منابع الجمال..

ما الذي يجعل الإنسان ينجذب إلى أمر من الأمور أو إلى نعمة من الأنعام أو شكل من الأشكال وينفر من الآخر؟؟

ما تفسير الجمال ؟ ما هي ما هيته؟ من أين ينبع الإحساس بالجمال ؟؟

ما هي العلاقة التناغميه بين المؤثر أي الجمال والمتأثر أي الإنسان وسائر الموجودات التي تتأثر بالجمال ؟

الخوض في هذه الأمور خارج عن نطاق حديثنا في يوم الجمعة ولكن حديثنا الذي توصل اليه الإنسان اليوم هو عجزه التام عن فهم ماهية هذه الظاهرة وما هو تفسيرها .

لا شيء طرحه الإنسان يمكن أن يعطي المقياس الذي يُحدد به كون أمرٍ جميلِ أو كون أمر ما غير جميل , كل النظريات التي طرحها الإنسان في تفسير حقيقة الجمال لم تتجاوز حد الأوهام التي لم يستطع الإنسان أن يقيم قرآن ولا دليل ولكن هناك أمران مهمان بغظ النظر عن قدرتنا على فهم الجمال نستطيع أن نستنبطهما من وجود الجمال في هذا الكون..


الأمر الأول: هو إثبات عالم الروح.



الإحساس بالجمال ليس شأنا من شؤون المادة ولا يمكن تفسيره بتأثير المادي بين الأشياء لدينا قوانين مادية لتحديد العلاقات بين الكتل ، علاقات تحكم بين الأشياء من أصغر شيء في هذا الوجود إلى أكبر فلك من الأفلاك من حيث وجودها وحركتها وتفاعلها مع بعضها البعض قابل لأن يفسر بتفسيرات مادية مثل قوانين الجاذبية، القوانين التي وضعت في تفسير القوة الكهرومغناطيسية هذه القوانين يمكن أن تفسير لنا حركة الجاذبية تحرك الأشياء فيما بينها من الجهة الميكانيكية والفيزيائية والجهة المادية ولكن ما الذي يدفع الإنسان أن يعشق تلك اللوحة دون غيرها أو يخضع لذلك الصوت الجميل الحسن أو يتعلق بتلك القصيدة في أبياتها وكلماتها كيف يمكن أن يُفَسّر؟

لا تفسير له إلا بوجود عالم آخر وحقيقة علوية آخرى أبعد مدى من الارتباط المادي وهي جانب الروح وجانب الإحساس الروحي لدى الإنسان ، الجمال برهان من براهين وجود عالم الروح.



الأمر الثاني : هو أن الجمال إثبات لوحدة الخالق عز وجل.



هذا النظام التبادلي بين كل جميل وبين الشاعر بالجمال يثبت أن خالق ذلك الجميل هو خالق المتأثَر به .لو كان لكل منهما خالق لكان لكل منها نظام لما أمكن أن يكون هناك أي درجة من درجات تبادل المشاعر والأحاسيس فالجمال دليل علو وحدة النظام ووحدة النظام دليل على وحدة المنظم والخالق عز وجل.


جمال السموات:



يقول الفيلسوف والرياضي المشهور فيثاغورس :اسمع النغم من حركات السماء موزونة - أي هذا الذي يجري في عالم السماء وهذا الذي يجري في عالم الأرض بينهما تناغم وانسجام وهو التفسير الوحيد لهذا الشعور بالجمال, الجمال ليس درجة واحدة وليس مقام واحد الجمال سماوات كما أن هذا العالم سماوات :
الجمال في السماء الأولى: هو جمال الشكل والهيئة


الجمال في السماء الثانية: هو جمال الصوت وجمال النغمة وربما كثير من الأخوة حينما نقول جمال الصوت يتبادر إلى ذهنه الغناء وهذا من المحرمات جمال الصوت أعم وأهم بكثير من جمال الغناء أهل الغناء هم الذين حرفوا معنى جمال الصوت وجعلوه يستعمل في مجال الفسق والفجور أما جمال الصوت فهو حقيقة كونية نبه لها القرآن الكريم قال تعالى : ﴿ورتل القرآن ترتيلا ﴾ ونحن كمؤمنون ومسلمون يجب أن نلتفت إلى هذا الأمر جمال الصوت في الدعاء وقراءة القرآن والأناشيد الدينية ولم تحرم الشريعة تجميل الصوت بل هو من الأمور المحببة شرعا .


الجمال في السماء الثالثة: جمال الكلمة والمعنى ألا ترى أننا نستمع أحيانا إلى كلمة أو إلى قصيدة فننشد إليها ونتعامل معها أضعاف أضعاف ما ننشد إلى المنطق نفسه أو الحقيقة نفسها فتأثير الكلمة والمعنى يولد في النفس ترسيخ وتثبيت للحقائق التي في قلب الإنسان.


الجمال في السماء الرابعة: هو جمال الأخلاق ,الصدق له جمال وحسن التعامل والبشاشة لها جمال, الأخلاق بأسرها لها جمال في نفس الإنسان بغض النظر عن لو نظرنا إلى أثرها الأخروي ,الأخلاق لها تأثير جمالي في هذا الوجود وهذا التأثير الجمالي هو قيمة من قيم الإنسان وحقيقة من حقائق الكون والإنسان.


الجمال في السماء الخامسة: هو جمال المشاعر أي الجمال النفسي :الحياء والرفق والحنان هذا النوع من المشاعر الذي يتمايز به الناس بعضها عن بعض ,بعض الناس يملك رقة في مشاعره خضوعا وخشوعا والجمال المشاعري هو درجة أعلى من درجات الجمال الأخلاقي.


الجمال في السماء السادسة: هو جمال العقل وجمال المعرفة وأدراك ومعرفة الحق لها تأثير جمالي في وجود الإنسان, الإنسان حينما يكتشف الحقيقة ويضع يده على الواقع ويعلم أن هذا الأمر هو المطابق للواقع ينشأ في نفسه شعور بالانتشاء والجمال بمعرفة الحق.


الجمال في السماء السابعة: وأعلى درجاته هو جمال الروح أي جمال التعلق بالله عز وجل قال تعالى:﴿ ونفخت فيه من روحي﴾ هذه الروح التي إذا أحسن الإنسان التبصر فيها وأحسن التعرف على حقيقتها لوجدها متعلقة بالله في جميع شؤونها لوجد أنه يسعدها الارتباط بالله ويشقيها الغفلة عن الله.

وهذه السموات السبع من الجمال هي أمور مرتبطة يبعضها البعض لا انفصال بينها ﴿ فارجع البصر هل ترى من فطور ..﴾ ما خلق الله في هذا الكون من اضطراب هذه السموات التي تحيط ببعضها البعض وتهيمن على بعضها البعض ,أما إذا الإنسان حصر الجمال في مرحلة من المراحل أو حصر الجمال في درجاته الأولى أو الثانية أي في درجاته المادية فإنه يكون قد حط من وجوده من عالم القرب من الله إلى عالم الحيوانية والمادة والطين .

إذا كان الإنسان يحصر ما يريده ويسعى اليه من الجمال في الجمال المادي فالطاووس أجمل منه , فالطاووس أجمل منا لو لبسنا أجمل ثيابنا لن يكون لنا بهاء الطاووس ولا جمال رونقه ولا لمعات ألوانه , فالطاووس أجمل منا إذا كان غايتنا جمال الشكل وإذا كان غايتنا جمال الصوت فمخلوقات كثيرة صوتها أغن وأحلى وأجمل من أصواتنا .

روي عن الإمام الحسن عليه السلام كان إذا قام لصلاة لبس أجود ثيابه قيل له يا بن رسول الله لما تلبس أجود ثوبك إذا قمت لصلاة؟ قال: (إن الله جميل يحب الجمال ) فالإمام الحسن يشير إلى قضيتين الأولى :
أنه يجب أن نعتني بالجمال من مبدأ منطلقاته من شكلنا من لبسنا هيئتنا الأولى لكن حقيقة الجمال لابد أن تكون مرتبطة بنهايتها ،كل أمر لا بداية له ولا نهاية له فهو أمر فاشل أمر لا قيمة له , الله عز وجل غاية الجمال الحقيقي فيجب أن ننطلق في الجمال من الجمال الشكلي إلى الجمال الأخلاقي إلى الجمال العقلي إلى جمال الارتباط بالله ثم قال عليه السلام ( فأتجمل لربي وهو يقول خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ولا شك أن أخذ الزينة عند المساجد أمر مهم ليس من الجميل أن يأتي الإنسان إلى المسجد بملابسه المعتادة ,يجب أن يكون الإنسان محافظا على لباسه..

جاء بعض أصحاب الإمام الصادق عليه السلام إلى الإمام وكانت ملابسه ملابس رثة فنهاه الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك وقال:( إني أحب أن أرى المؤمن الموالي لنا جميلا بين أفراد قومه) فما شُوهد ذلك الشخص إلا وعليه أجمل الملابس وأحسنها.

صحيح غايتنا الإنطلاق إلى الجمال الكامل جمال العقل وجمال الروح ,ولكن يجب أن تنطلق هذه من مبادئ الجمال من جمال الشكل والهيئة والمظهر ,والمسجد منطقة من مناطق الجمال ولكن يجب أن نمارس شكل الجمال والهيئة الجمالية ,وكما يجب أن نمارس الجمال في كل شؤون حياتنا وأخص بذلك المنزل من الرواية التي رويناها عن الإمام الصادق تدل على انه يأخذ بالجمال فيما بين قومه وأريد أن أتوقف على الجمال في البيوت يجب أن يكون الرجل جميلا مع أبنائه كما يحب أن يكون جميل مع أقربائه وأصدقائه ,والمرأة بالدرجة الأولى يجب أن تكون جميلة في بيتها لا تتصور المرأة أن الجمال لا يكون إلا في حالة العلاقة الخاصة , يجب أن يكون البيت جميلا ,المرأة جميلة إلى أقصى درجة تستطيع ,والرجل يجب أن يكون جميلا أقصى درجة يستطيع.

في أسبوع المحبة قلت أن هذه فرصة لتقيم أخلاقياتنا وسلوكياتنا في المنزل وقد اقترحت على بعض الأخوة في بعض المنتديات وأكرره الآن ..

اقترح أن يجدد في خلال هذه الأسبوع الملابس المنزلية وليس فقط الملابس الجديدة لزواج أخت الزوجة أوغيره , وعليها أن تجدد ملابس البيت واكرر لا اقصد الملابس الخاصة بعلاقة الرجل بالمرأة أقصد الملابس التي تعطي جمالا للبيت وكذلك الرجل يجب أن يستغل هذه الأيام وهذه الفرصة لكي يشتري له ملابس لداخل المنزل لماذا ملابسنا داخل البيت هي أقل الملابس ثمنا؟ يجب أن نتواجد في البيت بأكمل صورة يجب أن ينعكس جمالنا على أبنائنا وبيتنا وعلى شكلنا داخل المنزل.

نحن إن عجزنا عن إدراك الجمال وحقيقته لأن الله هو حقيقة الجمال كما قال رسول الله والأئمة عليهم السلام : ( إن الله جميل يجب الجمال) أصل ومنشأ حب الجمال هو جمال الله عز وجل فكيف لنا أن ندرك حقيقته ..

هناك عوامل مساعده على إيجاد الجمال عينا أن نسعى لتحقيقها :

الأول: النظافة والمقصود منها النظافة في البدن والخلوص من المنفرات في عالم الأخلاق والروح , في مقام بدنك وأخلاقك يجب أن تكون نظيفا ,لا يجوز أن يكون مع أخلاقك الحسنة سرعة الغضب ,البعض يكون لديه جوانب متعددة من الأخلاق الحسنة ولكنه سرعان ما يغضب فهذا وسخ في أخلاقه فالقاذورات إذا علقت ثيابك حتى وإن كانت جديد فإنه يفقد ذلك الجمال كذلك أخلاقنا قد نمتلك 90 صفة جميلة ولكن إذا كان هناك صفة سيئة مثل صفة الشراسة مع الأهل فإن ذلك الثوب الأخلاقي الجميل فسوف يكون هذا الثوب مرقع بالقاذورات .

الثاني: هو الانسجام.

الثالث: هو الاعتدال فالتجاوز الجمالي لا معنى له، لا معنى أن الإنسان يبالغ في جهة من الجهات يجملها و يهمل بعض الجهات

الرابع: الموافقة للفطرة.

الخامس: هو الدوام ,الجمال هو الشيء الذي يبقى أما الشيء الذي يخطف كالبرق ثم يزول فهذا وهم وخيال لا يجب أن نتعلق به.

والجمال والتعرف عليه بمعانيه الحقيقية هو طريق من طرق العارفين والسالكين إلى الله عز وجل ,التعلق بجمال الله هو بنفسه ولوحده طريق تام وكامل لسير إلى الله عز وجل , قد نسير لله عز وجل خوفا من ناره أو حباً في جنته أو نظرة إلى عظمة خلقه ,وربما كما ورد في الروايات أن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ولكن من أكمل الطرق وأفضل الطرق وأسرعها وصولاً هو طريق التعلق بجمال الله عز وجل.

إذا أدرك الإنسان أن كل جمال مادي هو عائد لله عز وجل ,وأدرك أن كل جمال معنوي هو تجلي من تجليات الله عز وجل في قلوب أصفيائه وإذا أدرك أن كل جمال هو منه وإليه وأدرك أن لعظمة الله جمال ولرحمته جمال ولسلطانه جمال ولعزته وكرمه وهيبته جمال إذا أدرك الإنسان أن كل صفات الله جمال فكما حدث لأوليائه وأصفيائه يهيمن على قلوبهم محبته والشوق اليه يقول الإمام زين العابدين عليه السلام : (الهي منذا الذي ذاق حلاوة ومحبتك فرام عنك حولا ) ويقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ( فهبني يا لهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك..) هؤلاء هم أولياء الله علمونا كيف نسير إلى الله عبر التعلق بجمال ذاته المقدسة .

وأحب أن أشير إلى مسألة بما أننا في شهر ربيع وتكثر فيه حفلات الزفاف لا بأس أن نشير إلى بعض الطقوس في حفلات الزفاف لدينا :

يجب على الأخوة أن يعيدوا النظر في الطقوس التي نمارسها نحن في حفلات الزفاف, إن المجتمع الصحيح والسليم هو المجتمع الذي يمارس نقد نفسه وتصرفاته وأخلاقه , هل اتجاهاتنا في إقامة مراسم الزواج بهذه الكيفية وهذه الطريقة هي مناسبة لوضعنا ؟ هل تعكس أخلاقنا وإيماننا ؟ نحن الآن نشاهد العالم بعد أن وقع في الورطة الاقتصادية أقام المؤتمرات لمراجعة مواقفه هل أن مسيره الاقتصادي صحيح ؟ نحن أيضا علينا أن نراجع مسيرتنا الأخلاقية وطقوسنا ؟ هل هي صحيحة؟ أتوقف عند بعض الملاحظات على نحو العجالة :

الأولى حالة البذخ: لقد أصبحت هذه الظاهرة تتجاوز كل الحدود وكل الأعراف ربما يعيش المئات بل الألوف من الشباب والشابات في حالة من الضنك وحالة من العجز عن الزواج بسبب ما أحطناه نحن بالزواج ,فالزواج لا يكون إلا بكيفية معينة وطريقة معينة وقاعة أفراح معينة والشاب لا يتزوج إلا أن يكون لديه شقة مستقلة ,قبل سنوات كان من الطبيعي أن الشاب يتزوج ويسكن في بيت أهله وهذه لها فوائد كثيرة من ناحية أن البنت تعيش في بيت زوجها وأهله وتتعرف عليهم وتنشأ نشأة جديدة تتعرف على أخلاقهم وعاداتهم .

الثاني : تركيزنا على الجانب الشكلي في الملبس والمأكل وفي فساتين الأعراس .

الثالث : بلغني انه في كثير من الأعراس تجاوزات شرعية و دخول رجال على النساء وتصرفات نسوية غير مناسبة تماما..

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وأله الهداة الميامين

ليست هناك تعليقات: