الاثنين، 16 فبراير 2015

الاتكاء


الاتكاء هو الاعتماد على شيء ما، ونحن نعرف المادي مثل اعتماد الفرد على غيره أو كما عبر أبوالعلاء عن نفسه ب «المستطيع بغيره» وهذا ليس موضوع هذه المقالة.. موضوعها هو الاتكاء المعنوي مثل اتكاء الفكرة على فكرة أخرى سابقة لتعزز من الالتفات إليها أو لإعطائها قوة إقناعية أو شرعية الدخول إلى سدة الأفكار التي توصف بالإبداع أو البكارة، وإذا كانت ذاكرتي أمينة «ولا أظنها» فإن أبا تمام كان يلقب ب «المتكئ على نفسه» ذلك لأنه خرج على الذوق النقدي العام حتى إن بعضهم قال في شعره:
«إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل»
الاتكاء في الآداب والفنون ظاهرة دائمة، ولكن أحد مفكرينا المعاصرين اعتبر هذه الظاهرة نقصا وراح ينعى الأدب العربي كله بأننا لا نهتم بالعمل الإبداعي «إلا لأن دراسات استشراقية سبق وأن ربطته ب «معلمة غربية» لا نقرأ حي بن يقظان إلا لأن علاقة نسجت له مع روبنسون كروزو، ولا رسالة الغفران إلا لما ربطت به من علاقة مع الكوميديا الإلهية، ولا دلائل الإعجاز الا مقارنة بسوسير، ولا المنقذ من الضلال إلا مقارنة بديكارت، ولا المقدمة الا ارتباطا بأوغست كونت... الخ».
وأضيف الى هذا بعدا آخر هو اننا حين نريد اضفاء الاصالة على فكرة ما فلا بد من ربطها بقول احد القدماء، وهذا عجز فادح لأنه يعني تداخل الازمنة واختلاط الحابل بالنابل.
لماذا الاتكاء؟
الابداع هو التجاوز وليس البداية من الصفر، فهذه مستحيلة في ميدان الآداب والفنون.. والاتكاء المؤقت ليس محل جدال فهو ظاهرة موجودة في كل زمان ومكان، انه يكون محل ازدراء حين يكون مستمرا لأنه يدل على الضعف والعجز وجدب الفكر.
ويرى كثير من النقاد ان الاتكاء في الساحة الثقافية عندنا اتكاء مستمر مما يدل على العقم الفكري غير ان هذا - كما يرى من يضع التفاؤل على عينيه - عائد الى اسباب خارجية وليست موضوعية أي ليست عائدة الى الذات المبدعة بل الى الظروف الاجتماعية والسياسية المحدقة بها مثل الرقابة الاجتماعية والسياسية على حركة الابداع، فلا ابداع بدون حرية.
لقد تنبه الناقد القديم حازم القرطاجني الى هذا التداخل أو التساقي بين الذاكرة والتمييز والصناعة حين قال: «لا يكمل الشاعر على الوجه المختار الا بأن تكون له قوة حافظة وقوة مائزة وقوة صانعة» القوة الصانعة هي التجاوز والمائزة هي القدرة النقدية، اما الحافظة فهي التي تقول لنا: «لا شيء يبدأ من الصفر».
ما رأيك انت هل نلبس نظارة التفاؤل أم نظارة التشاؤم؟


 
               

الاثنين، 2 فبراير 2015

مكتب السيد جعفر النمر يقيم جلسة علمية متنوعة

يقيم مكتب السيد جعفر النمر جلسة علمية متنوعة مع السيد جعفر.
وذلك في مجلسه الكائن خلف عمائر البوصالح بحي العنود بالدمام.
أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس من كل أسبوع.
من بعد صلاة المغرب وحتى الساعة التاسعة.

الأحد، 1 فبراير 2015

السيد علي السلمان يوجه الشباب بضرورة الإلتزام بالأنظمة المرورية


وجه السيد علي السلمان الشباب على ضرورة الإتزام بالأنظمة المرورية ومن ذلك ربط حزام الأمان، لما فيها من حفظ للنفس ورضا لله سبحانه وتعالى.

قال ذلك في مقطع فيديو له نشر في مواقع التواصل الاجتماعي، أكد فيه للشباب انه عندما يركب السيارة يلتزم بربط حزام الأمان ويتكل على الله سبحانه، لإنه سبحانه خلق لنا وسائل للحفاظ على أنفسنا، وأكد  ايضا على أن الإلتزام بالأنظمة المرورية فيه خيرا كثيرًا. 

ومن إهتمام سماحته على الإلتزام بالأنظمة المرورية  خصص خطبة جمعة للحديث عن ذلك، أكد فيها على ان قيادة السيارة :"فن وذوق 
وأخلاق" ويمكنكم قراءة الخطبة في ما يلي :





قراءة في بيان حزب الله رقم (1)

ليست هذه أول عملية نوعية معقدة تقوم بها المقاومة الإسلامية في حزب الله ضد العدو الصهيوني , ولكنها تتميز بعدد من المزايا التي لا يجب أن نغفل عنها:
1- العملية تأتي في ظل تضامن غير مسبوق في الوضوح والصراحة من قبل قوى المقاومة الفلسطينية الباسلة واستعدادها المطلق في المساعدة والدخول على الخط في حال تطورت الأحداث وتدحرجت إلى حرب بين المقاومة في حزب الله والعدو الصهيوني.. هذا التضامن يرعب الصهاينة رعباً كبيراً .. فهذا العدو لما تندمل جراحاته من حربه العدوانية على غزة ومعركته مع "الأشباح" التي تخرج من الأنفاق تحت الأرض.
بالأمس كان العدو الصهيوني يحفر الأراضي في الشمال للبحث عن أنفاق لحزب الله بعد أن عاش أهل مستوطنات الشمال حالات رعب وأوهام بأن مجاهدي المقاومة يتسللون إليهم.. فإذا بالرد يأتي في هذه العملية من فوق الأرض وليس من تحتها.
2- لا يفصل هذه العملية التي نفذتها "مجموعة شهداء القنيطرة الأبرار في المقاومة الإسلامية" أكثر من أسبوع عن العملية التي نفذها الطيران الصهيوني ضد كوادر حزب الله في القنيطرة.. خلال هذا الأسبوع اتخذت إسرائيل عدة قرارات كان أبرزها الاستنفار في الحدود الشمالية واعتبار الجبهة اللبنانية أو السورية جبهة واحدة .. وتنفيذ هذه العملية بهذه الحرفية وفي ظل هذا الاستنفار يعني أن قدرة حزب الله الاستخبارية وقدراته التنفيذية على الأرض أقوى من كل التصورات للأعداء والأصدقاء.. فلم يخطر على بال أحد أن يتم الرد إلا في مكان وزمان تتوفر فيهما ثغرة ضعف للعدو الصهيوني .. أما الرد في منطقة مستنفرة يعني اختراقاً ذريعاً قامت به استخبارات الحزب ضد هذا العدو .. وهذا يدفع إلى النقطة الثالثة:
3- المقارنة بين اعتداء الصهاينة على شهداء القنيطرة ورد حزب الله اليوم في مزارع شبعا المحتلة يظهر قدرة المقاومة التي فاقت قدرة الصهاينة .. فعدد الذين قتلتهم المقاومة (15 قتيل) هو أكثر من ضعف عدد شهداء القنيطرة (7 شهداء) .. كذلك فإن عملية الصهاينة أتت من خلال قصف طيران على سيارتين .. بينما قامت المقاومة بتدمير ما لا يقل عن 6 سيارات وقد يصل العدد إلى 9 سيارات وذلك عن طريق عبوات مزروعة وصواريخ.. بالإضافة إلى العامل الأهم وهو أن عملية الصهاينة كانت غدراً وغيلةً في حين أنهم كانوا يتحسبون للرد من قبل حزب الله.
4- لا يغيب المشهد السوري عن هذه العملية .. فالصهاينة والعرب المتصينون يعتقدون أن حزب الله مستنزف في سوريا في حين يؤكد سيد المقاومة الإسلامية السيد حسن نصر الله أن ما يقاتل به الحزب في سوريا هو فائض القوة من الجبهة مع العدو الصهيوني.. فهذه العملية تسقط كل الأوهام التي تبنى على هذا الأساس.
5- المشهد العربي الغارق في الضعف والمتنطع للتطبيع مع الصهاينة وحصر الصراع العربي الصهيوني بالفصائل المقاومة في فلسطين.. فالمقاومة الإسلامية في حزب الله تثبت لكل الرأي العام الصهيوني والعربي المتصهين أن هذا العدو "أوهن من بيت العنكبوت" ولكن الجانب المهم أيضاً هنا هو أن الخيانة العربية هي أيضاً أوهن من بيت العنكبوت.. وهي التي حاولت جاهدة وما تزال تحاصر المقاومة في فلسطين ولبنان وتحاربها في قوتها ورزقها وأمنها .. وهي مع كل هذه الخيانة تصنع الانتصارات التي لا تخطر في بال.. هذا يعني أن الخيانة لا تجر الضعف على المقاومة وإنما تخزي الخائن ليس إلا.
6- لا ينسى أحد خطاب السيد حسن نصر الله الأول في حرب تموز والذي أعلن خلاله عن تدمير البارجة الحربية "ساعر" على سواحل بيروت وإحراقها .. هذا الخطاب الذي لعب دوراً عملاقاً في الحرب النفسية ضد الصهاينة الذين لم يصل إليهم الخبر إلا من خلال متابعتهم لخطاب السيد الأمين.. واليوم تأتي عملية حزب الله الكبرى والمعقدة قبل خطاب السيد نصر الله بيومين .. فيا ترى ما الذي سيقوله السيد في خطابه أكثر مما حدث؟


الموعد يوم الجمعة مع البيان رقم (2)

يوميات تُركية / الحلقة الرابعة

طال وعرض وتفلطح نقاشي الحاد مع الحبيب ناجي حرابه و كان محوره المتنبي هل هو شاعرٌ متسولٌ يتكسبُ بشعره أم صاحبُ مبدأ ورؤىً ذاتيةٌ هي محركُه الأول لكتابة القصيدة ؟وقد اختلفنا بالآراء والأيدي .. فلا أنا أقنعتُه برأيي الصائب طبعا ولا هو أقنعني برأيه ( اللي مو صائب ) طبعاً ولا تركنا لنا الاستمتاع بمنظرٍ خلاب باهرٍ يتغنجُ جمالاً تحتنا .. فتلك السفوحُ المعشوشبةُ اخضراراً وتلك المدنُ التي تقتاتُ الحضارةُ منها لم تخطفْ من عقلنا لباً ولم تأسر لخافقنا قلباً .. والسبب المتنبي العظيم حسبيَ اللهُ عليه .
( باكو ) عاصمةُ آذربيجان هي مقصدُنا - لا أعرفُ ما تعني بلغتهم ولا بلغتنا - ولكنها تعني بالمصرية الألف الذي يُعدُّ واحداً على ألف من ( الأرنب ) والأرنب يشكل بجوارحه ( مليوناً ) ، المهم هبطتْ بِنَا الطائرةُ فوق ( باكو ) وفي مطارها الصغيرِ حجماً الأروع جمالاً وألقاً البيضاوي الشكل حتى كأنكَ ببلورٍ فضيٍ ناصع ترى مدينة باكو من خلاله لوحةً سريالية دافنشية آخاذة ، فهنا اُختُطف لبُّـنا وقررنا المكوث بها يومين فالثلاثُ ساعات ( الترانزيت ) بها لا تشبعُ نهمَ عينٍ تعودت ألا ترى إلا الجمال ،، سألناهم ما ضريبةُ تشريفنا لكم يومين ؟ قالوا كي تتشرفوا بِنَا لا بد من ڤيزا والڤيزا لا تؤخذُ إلا من السفارة . هنا أُسقط في يدنا وأنّبَنا ضميرُنا كيف يُحرم هؤلاء من فتيةٍ ( مطاحيل ) كأشباه الدر المكنون والمفضوح مثلنا ،، ولكنه حسدُ الحضارة الذي لا يهوى للجمالِ ألقاً وبهاءً .
حينَ أقلعتْ بِنَا الطائرةُ والتفَّتْ حول بُحيرة قزوين - والذي تتكيء عليه باكو آمنةً مُطمئنةً - شعرنا برغبةٍ عارمةٍ مُلحَّةٍ بالتصفيقِ ( وتبطيل فمِنا حدَّهُ ) إعجاباً وانبهاراً فهذا البساطُ الأزرقُ بأمواجه الرقيقة التي تشكلُ خيوطاً رفيعةً طويلةً ثُم تنقضُ نفسها في مشهدٍ مُتكررٍ كإيقاعٍ ( فيروزيٍّ ) مُتناغِم ، لم تزل محفورةً في الذاكرة .
المسافةُ بين باكو واسطنبول حوالي 3000 كم فتلك بأقصى الشرق الآذري وهذي بأقصى الغرب التركي لم نقطعها بجدلٍ ولا اختلاف بالآراء والأيدي بل بصمتٍ رهيب مُطبق ، من هول ما مرَّ بِنَا من تعبٍ ، فـ يومٌ شهدنا تفتحه بـ دبي واقتطفناه بإسطنبول لكفيلٌ بإرهاق ضراغمةٍ صيدٍ كالجبال أمثالنا .. لحظاتٌ وإذا بإسطنبول تعرضُ لنا فتنتها وسحرَ أناقتها بأنوارها اللامعة في ليلٍ ناعم ذكّرني بالمرحوم صديقي نزار قباني وهو يُعانِقُ هونج كونج :
والليل في هونكونغ .. 
صندوقٌ من الحلي
بعثرهُ اللهُ على الجبال
وللحديث بقيةٌ 
زكي السالم


صناعة المستقبل الناصع - ٢

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيد الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
رب اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .
عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله . وإن من تقوى الله عز وجل أن يسعى الإنسانُ ؛ سعياً حثيثاً ، في أن يصنع لنفسه مستقبلاً ناصعاً في دنياه وفي آخرته .
ولن يتم ذلك إلا :
بأن نستهدي بالكتاب ؛ الذي أنزله الله عز وجل ، ووصفه بأنه { لَا رَيْبَ فِيهِ } [البقرة/ 2] ، ووصفه عز وجل بأنه { يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء/ 9] .
وبالرجوع إلى مَن يعلم تفسير القرآن وتأويله ؛ وهم {... الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم ... } [آل عمران/ 7]، والذين تكفل الله عز وجل بتطهيرهم ، وببقائهم مع القرآن ؛ لا يفترقون عنه ؛ بشهادة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ولذلك ، فإن الاهتمام بشعائر أهل البيت ( صلوات الله وسلامه عليهم ) ليس اهتماماً بمسألة تاريخية مجردةٍ فارغةٍ من المضمون ، وإنما هو - في حقيقته ، وفي جوهره - حرصٌ ممن يحيي هذه الشعائر ؛ بطريقتها الشرعية طبعاً ، على أن يبني لنفسه هذا المستقبل ، ويصنع هذا المستقبل ، بعد أن يتوفر ويوفّر الشروطَ اللازمة .
أولم يرِد في الحديث الشريف أن شهادة لا إله إلا الله حصني ، أو لا إله الله حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي كما روي عن الإمام الرضا -عليه أفضل الصلوات والسلام- ثم ألحق ذلك بقوله بشرطها وشروطها وأنا من شروطها ووصف نفسه -صلوات الله وسلامه عليه- بأنه من شروطها(١).
لأن الله عز وجل ؛ الذي وصف القرآن بما وصفه به ، جاء بيان ذلك وتفصيله من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن عترته الطاهرة لن يفترقا مع القرآن الكريم ، سيبقيان ويلتقيانه على الحوض(٢).
وبالتالي ، فإنّ مادة الصلاح متوفرة بين أيدينا .
ما الذي يجب علينا أن نفعله ؟
السعي والعمل { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } [التوبة/ 105] . ولن يحصل أحد منا على شيء من هذا ، ولن يجني ثمرة ذلك إلا بالسعي ؛ فإن الله عز وجل يقول { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } [النجم/ 39] .
هناك محوران لابد أن نتعرض لهما في هذه المسألة ، وهي طويلة الذيل ، ومتشعبة الأطراف ، لا نستطيع أن نستوفيها ونستوعب الحديث عنها في مثل هذه الفترة الموجزة والمحدودة ، لكن هناك محوران ؛ قدَّمنا لهما بمقدمةٍ في حديثٍ سابقٍ . هذان المحوران :
أولهما : يتعلق بمسألة التشخيص . تشخيص المشكلة ، تشخيص الأزمة ، تشخيص الآفة ، فلا تستطيع أن تنتقل إلى المحور الثاني الذي يتولى عملية العلاج إلا أن يسبق ذلك التشخيصُ .
ما هي طبيعة هذه المشكلة ؟
ما هي حدود هذه المشكلة ؟
أسباب هذه المشكلة ؟
النتائج التي تترتب على هذه المشكلة ؟
لنسعى بعد ذلك في اختيار الأدوات المناسبة والتوقيت المناسب ؛ حتى لا نكون مثل أولئك الذين جاء وصفهم في القرآن الكريم { ... يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف/ 104] .
كيف كان أولئك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، وهم لا يحسنون صنعاً ؟!
وهل أن أولئك كانوا في فترة من التاريخ ، وليسوا موجودين في فترة أخرى ؟!
الجواب : كلا ، منذ فجر التاريخ إلى آخره ستجد فئات من الناس ، وفئاماً من الناس ، يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .
وأحد علامات ذلك أن يختلط عليهم العدو بالصديق .
حدث قبل أيام عدوان صهيوني على جماعة من المسلمين من هذه الأمة ؛ في سياق صراعٍ ابتدأ من احتلال فلسطين ، هذا الاحتلال الآثم ، والذي يقرّ المسلمون جميعاً على أنها أرض لأهلها ؛ أي لأهل فلسطين ، وأن الصهاينة غاصبون ، لكن هناك مَن يفرح - للأسف الشديد - نتيجة اختلاط المفاهيم ، ونتيجة الانحرافات الفكرية ؛ التي لها أسباب كثيرة ، ونفسيات معينة ، ترى في هؤلاء الصهاينة كما لو كانوا حلفاء ! ولا يقول بأنهم حلفاء ! ، وإن تجرأ بعض الحمقى ووصف نفسه ، أو تمنى أن يكون مع هذا الفريق على فريقٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله !
النتيجة المنطقية لمثل هذا الانحراف الفكري هو أن يتولد لنا جماعةٌ ؛ يوم أمس في أفغانستان فجر أحدهم نفسه باسم الجهاد في سبيل الله في موكب تشييع ، ويذهب ضحية هذا الانفجار والتفجير خمسة وعشرون نفساً يشيعون ميتاً من موتى المسلمين يهللون الله سبحانه وتعالى ويكبرونه .
ونتيجة هذا التشويه يحدث يوم أمس تفجيرات في المنطقة سيناء في مصر المحروسة ويستشهد أربعون جندياً مصرياً من المسلمين ، باسم ماذا ؟!
باسم الانتصار لشريعة الإسلام ! ويصاحبون ذلك هذا الفعل الآثم بالتكبير ، كما حصل في هذه البلاد الطيبة قبل فترة في منطقة شرورة ، وقبل فترة وجيزة في شمال هذه البلاد !
بأي عنوان يقومون بهذه الأعمال الإجرامية والإرهابية ؟!
باسم الانتصار لشرع الله ! باسم الانتصار لهذا الإسلام !
أي إسلام هذا الذي ينشدونه ؟!
هذا الإسلام الذي لم يتلقوه من كتاب لا ريب فيه ، إسلام صنعه لهم الشيطان ، والشياطين في صورة أناس ، ينتقون آية هنا وآية هنا ، ثم يغفلون بقية القرآن الكريم ، والله عز وجل حذر من هذه الفئة ، يقول عن هؤلاء { ... فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ... } [آل عمران/ 7] .
الله سبحانه وتعالى حينما أنزل إلينا هذا القرآن الكريم أراد أن يضعنا على الجادة ، على الصراط المستقيم ، والقرآن { يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء/ 9] .
دون هذا سنُفاجأ بأن أغلب مناطق العالم فيها شيء من الاستقرار ، لكن البقعة الوحيدة التي هي ملتهبة - للأسف الشديد ، وباسم الإسلام تلتهب - هي فقط هذه المنطقة ، التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدي الصالحين والمصلِحين جميعاً ، ومن دون استثناء ، أن يأخذ بأيديهم إلى ما يصب في مصلحة هؤلاء المواطنين ، هؤلاء الشعوب المسلمة ، هذه المنطقة المنكوبة التي تكالب عليها أعداء الخارج وحمقى الداخل ، نسأل الله لنا ولكم السلامة .
في المحور الأول إذا بعدٌ وصفيٌّ ، وتشخيص لهذه المشكلة ، وهذا العلاج الذي لابد منه ، ثم لننتقل الحديث بعد ذلك عن العلاج .
يقول عز وجل في سورة النور { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } [النور/ 34] .
هذه الآية الحديث فيها طويل ، ولست في مقام الإسهاب ، لكن أريد أن أقف عند ثلاثة أشياء ؛ أشارت إليها الآية المكرمة أو الشريفة ، وكلُّ واحدٍ من هذه الأمور يمثل عنصراً من عناصر التشخيص الضروري ، أو الأدوات التي لابد أن نستعين بها في تشخيص الواقع السيء ؛ ليتيسر لنا أن نصنع مستقبلاً ناصعاً ومشرقاً .

1 - امتلاك الحقيقة وما يدل عليها

العنصر الأول : هي أن يسعى الإنسان إلى أن يمتلك الحقيقة ، وأن يسير على وفق الحق ، ولأن الناس يختلفون ، وقد تعرضنا إلى ذلك في خطب سابقة ، الناس يختلفون لكن كيف نهتدي في ظل الاختلاف ، وخصوصاً إذا اشتدت ؟
الخلاف بين كل الناس يقع ، الحل الوحيد هو أن ننطلق من المسلمات والمتفق عليه . في عالم العقل هناك أمور بديهية عقلية ؛ يتسالم عليها الناس ، مثل أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ، أن الضدين لا يجتمعان . فالضدين لا يمكن أن يتصف الجسم الواحد ، من زاوية واحدة ، بالسواد والبياض في الوقت نفسه . يمكن أن نصبغه بالسواد في النهار ، ونصبغه بالبياض في الليل ، يمكن أن نصبغه بالسواد من هذه الجهة ، وبالبياض من الجهة الأخرى ، لكن في الجهة الواحدة ، في التوقيت الواحد ، نريد أن نصبغ هذه الزاوية بالبياض والسواد معاً ، هذان ضدان لا يجتمعان .
وأما المتناقضان فأن نصف الشيءَ بالوجود والعدم في الوقت نفسه ، فنقول هذا موجود وهذا غير موجود ، مع مراعاة الشروط التي يذكرها علماء المنطق ، يسمونها الشروط الثمانية لسنا في صدد الحديث عنها ؛ وهي من الأمور الواضحة جداًّ .
شبيه بالمثال الذي سبق أن ذكرناه ، لا يمكن أن نصف هذا الجدار في الساعة الواحدة والثانية الواحدة بعد الساعة الواحدة أنه موجود ، وفي الثانية نفسها أنه غير موجود ، لا يمكن . يمكن أن يكون قبل الساعة الواحدة موجود ، وفي الساعة الواحدة والثانية الواحدة غير موجود ، أو العكس ، لكن في التوقيت نفسه ، في الزاوية نفسها ، من كل الشرائط ، هو موجود وغير موجود ! هذا تناقض يدركه أقل الناس تعقلاً وفهماً . هذا في الجانب العقلي .
كذلك في الأمور الشرعية ، يتفق المسلمون جميعاً على أن كتاب الله سبحانه وتعالى ؛ الموجود بين المسلمين اليوم ، { لَا رَيْبَ فِيهِ } [البقرة/ 2] ،  وأنه { يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء/ 9] ، هذا أمر متفق عليه ، لكن لأن هناك فئةً من الناس لا تريد أن تجعل هذا أمراً متفقاً عليه ، أيضاً تثير الغبار ! هناك مَن يعتقد بالتحريف ومن لا يعتقد بالتحريف ! حتى لو أقسمتَ له بأغلظ الأيمان ، نحن نقول أن هذا المصحف المتداول بين يدي المسلمين ، هذا هو ما عناه الله عز وجل بقوله { لَا رَيْبَ فِيهِ } [البقرة/ 2] ، وهذا هو الذي وصفه الله عز وجل بأنه { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ... } [فصلت/ 42] ، و أن هذا الكتاب ؛ الموجود بين الدفتين ، والمعروف بين المسلمين ، لم يزد حرفاً ولم ينقص حرفاً ، وأنه الذي { يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء/ 9] ، مع ذلك يشاغب !
مثل هذا التفكير هو الذي يقول أن الصهاينة إذا اختلفوا مع بعض المسلمين ، يقول هذا خصام وعداء بين عدوين لا شأن لنا به !
نحن لا نتحدث مع هذا ، نتحدث مع الأسوياء من الناس ، مع الأتقياء من الناس ، مع العقلاء من الناس ؛ وهم كثيرون جداًّ في هذه الأمة ، وإن ارتفع صوت بعض السفهاء ، وانخفض صوتُ كثيرٍ من العقلاء لهذا السبب أو لذاك السبب .
نتحدث مع هذا الفريق من الناس الذي يعنينا أن تُمد اليدُ إليه ، ونتمنى أن تُمدّ اليدُ منه ؛ ليتلاقى المسلمون على ما يجمعهم ، وما أكثر ما يجمعهم .
منها : هذا الكتاب الكريم .هذا بند .
فإذا أردنا أن نتوفر على الحقيقة والحق نرجع إلى هذا القرآن الكريم ، ومنه سننطلق إلى آفاق أخرى .
أشارت الآية الكريمة إلى هذا العنصر بقول الله عز وجل { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ... } [النور/ 34] ، آيات جمع آية ، والآية هي : العلامة ؛ أي : الدليل .
الناس بفطرتهم ماذا يرجون ؟
والله سبحانه وتعالى بماذا تعامل معهم ؟
تعامل مع على أن هؤلاء الناس ينشدون بفطرتهم الكمال الذي لا يوجد إلا في الحق وينبذون الباطل ، آيات القرآن الكريم هي علامات هذا الحق ، هي الدلائل التي تشير إلينا إلى هذه الحقيقة التي نرجوها . هذا هو العنصر الأول .

2 - التاريخ البشري في سلبياته وإيجابياته

العنصر الثاني : الله سبحانه وتعالى أشار في آيات ومواضع كثيرة من القرآن الكريم أن الناس أفراداً وجماعات ليسوا دائماً يطلبون الحق والحقيقة ، فيكفي أن تنزل إليهم آيات بينات ومبينات ، وقد جاء الوصف للآيات في السورة المباركة نفسها بالآيات المبيِّنات والبيِّنات ، والفرق بينهما في محله ، ليس الناسُ جميعاً ينشدون الحق وما يدل على الحق ؛ لأن النفس قد تمرض ، مثل ما أن القلب الخارجي والعضوي هذا يمرض ، قلبُ الإنسان الداخلي يمرض ؛ ولذلك قال الله عز وجل { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء/ 88، 89] ، هناك مَن يرى الحق وينكره { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ... } [النمل/ 14] ، في مستوى نفسه يقر بأن هذا هو الحق لكن يصعب عليه أن يقر به ! لأن الإقرار بهذا الحق يفرض عليه أن يتنازل عن كثيرٍ من مصالحه العاجلة والآجلة ، ولأن نفسَه مريضةٌ يرفض أن يتخلى عن هذه فيقلب الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً ، وهكذا .
فجاء القرآن لينظم في العنصر الثاني هو أن الله عز وجل ساق لنا بعضَ تاريخ البشر فيما مضى ؛ لينبهنا إلى أن واقعكم - أيها المسلمون - لن يكون بعيداً عن حال أولئك الذين تقدموا ، فمثل ما أن أولئك وقعوا في الانحراف سيقع في أوساطكم الانحرافُ ، فجاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ما يروى عنه من قوله " لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " يعني اقرأوا ما جاء في وصف بني إسرائيل ، وتمعنوا في ذلك ، فما فعله أولئك ستقعون فيه أيها المسلمون ؛ إلا من اعتصم بحبل الله عز وجل ودخل في السلم كافة .
فإذن ، هناك تاريخٌ بشريٌ ؛ ولذلك قالت الآية { وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } [النور/ 34] ، جئنا لكم بنماذج واضحة ، كيف اهتدى من اهتدى منهم ، وكيف انقلب على عقبه من انقلب منهم ؟ { وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران/ 144] .
لكن انتبهوا - أيها الناس - الشاكرون عبر التاريخ دائماً قلة { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ/ 13] ، فليس من حق أحد أن يقول أنا الناسُ معي ! نحن الأكثرية وأنتم الأقلية ! يريد أن يجعل من كثرته الكاثرة دليلاً على حقانيته ! ومن قلة الفريق الذي خالفه دليلاً على أنه من أهل الباطل !
هذا خلاف ما جاء في القرآن الكريم ، ليست الكثرةُ دليلاً كما أن القلةَ ليست دليلاً على البطلان .
لا ، قد تكون المسألة متعاكسة .

العنصر 3 / الاستجابة - التفاعل بين الخارج والداخل

العنصر الثالث : هو أن الله سبحانه وتعالى أشار إلى أن هذا الذي جاء في القرآن الكريم ، الموصوف بما وُصف به من أنه { لَا رَيْبَ فِيهِ } [البقرة/ 2] ، و { يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء/ 9] ، تعاملُ الناسِ معه لن يكون متساويَ النسبة . لا ، هناك مَن سيؤمن به ، وهناك من سيكفر به .
مراتب الإيمان متفاوتة ، وكذلك مراتب الكفر بالقرآن الكريم متفاوتة . هناك مَن يؤمن بالقرآن عقلياًّ لكن لا يسلم به قلبياًّ ، هناك مَن يؤمن به عقله وقلبه ولكن لا يسلم به على مستوى جوارحه وسلوكه . ولذلك ، القرآن الكريم يقول { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ... } [البقرة/ 44] ، وهكذا .
فالآية تريد أن تقول أن الاستجابة لِما جاء في القرآن الكريم لن يُوفق له إلا فئةٌ من الناس توفرت على صفة من أجلِّ ما ينبغي أن يتصفوا به ؛ وهي ( التقوى ) ، فقال عز وجل { ... وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } [النور/ 34] ، والقرآن الكريم الذي هو كتاب { لَا رَيْبَ فِيهِ } [البقرة/ 2] ، و { يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء/ 9] .
هو هداية لمن ؟
لكل الناس ؟!
في ذاته هو كذلك ، لكن على مستوى تفاعل الناس معه لا ، { ... هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } [البقرة/ 2] .
والمتقون ليسوا هم خصوص مَن يصلون ؛ فإن كثيراً ممن يصلون - للأسف الشديد - منحرفون .
هؤلاء الدواعش والإرهابيين ، النسخة الحالية والنسخ السابقة والنسخ التي ستأتي ؛ لأنه دائماً هناك دواعش بصفات وأسماء ومسميات مختلفة ، يصلون ويصومون ، وقد لا يتمكن عامةُ الناس من أن يساووا أنفسهم بهم ، لكن - للأسف الشديد - يمرقون كما تمرق السهم من الرمية ، قشور ، لا يحافظون على الإسلام إلا في قشوره .
وهذه آفةٌ أُلفت النظر - إخواني وأخواتي - ليست خاصةً بهذا التنظيم ، وتلك الجماعة التاريخية ، والجماعة التي ستأتي ، يمكن أن يبتلى بها كثيرٌ من الناس . يمكن أن يكون إنسانٌ داعشياًّ وإرهابياًّ ليس بالضرورة على مستوى تعامله مع الدولة ، لا قد يكون داعشياًّ مع زوجته ، داعشيةً مع زوجها ، داعشياًّ مع ولده ، لكنه مع عامة الناس طيب ومرح ، وهكذا .
فقد تكون عنده هذه الصفة في حالات السلم ، في حالات الحرب ، في حالات التصدي للمسؤولية ، وهكذا .
الله سبحانه وتعالى يقول { ... وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } [النور/ 34] ، ومن ثَم يدرك سر ما قاله الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ... } [الأنفال/ 24] دعوة الله عز وجل الناسَ هي دعوة حقيقية للحياة الحقيقية ، لكن من يستفيد منها ؟
طلاب الحياة ، صناع المستقبل الناصع الذين يريدون من الله ؛ لأنهم يدركون أن الخير كله من عند الله عز وجل ، وأن صلتهم لا يجوز أن تنقطع بالله ؛ لا في حالات السلم ، ولا في حالات الحرب ، لا في حالات الفقر ، ولا في حالات الغنى ، لا في حالات التمكن ، ولا في حالات الاستضعاف ، في جميع الحالات ينبغي للإنسان أن يكون ربانياًّ يريد وجه الله عز وجل في كل ما يفعل { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً } [الإنسان/ 9] .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن ؛ صلواتك عليه وعلى آبائه ، في هذه الساعة ، وفي كل ساعة ، ولياًّ ، وحافظاً ، وقائداً ، وناصراً ، ودليلاً ، وعيناً ؛ حتى تسكنه أرضك طوعاً ، وتمتعه فيها طويلاً .
اللهم انصر الإسلام والمسلمين ، و اخذل الكفار والمنافقين .
اللهم اشف مرضانا ، وارحم موتانا ، وأغن فقراءنا ، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا .
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .






---------------------------

(١) عوالي اللئالئ لابن أبي جمهور ، ج 4 ، ص 94 .
(٢) مسند أحمد ، باب ما روي عن أبي سعيد الخدري .


المستدرك على الأَصمعيَّات في محكيات الخالة نزيهة...!!؟

تمتلك الخالة نزيهة الفضلي ذاكرة شفوية تستوعب ما استأثرت بها الجدات من حكايات معتَّقة المعنى والمغزى في بلد الأصمعي راوية البصرة ومسجل تراثها الشفوي من أشعار وحكايات دالة.
البصرة القديمة أم الأنهر والشناشيل كانت محل تولدها وسكناها..، تلقت تعليمها القراءة والكتابة والحساب على أيدي المعلمات الفاضلات حافظات القرآن الكريم منهن أستاذتها الملاية (أمونة الفيلي) بمحلة (الخليلية)..، وبنشأتها في بيت عالم وفقيه وتراثي كبير والدها الفقيه المحسن الفضلي بمحلة (المجصة) وبتربية والدتها السيدة أم الموسوعي القدير أستاذنا العلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي والتي كانت ـ أعني أم نزيهة ـ قد تلقت الدراسة في الكتَّاب وحفظت القرآن الكريم وكثيرا من المرويات الدينية والحكم والأمثال والحكايات الشعبية المدهشة التي طالما كان يأنس بها شيخنا الفقيه المحسن الفضلي مصغيا إليها وهي ترويها لأولادها وبناتها تحت (تسلاقة العنب) مع ارتشاف الشاي..؛ لما في تلك الحكايات من معاني ومغازي في قوالب ذات تقنيات سردية تشير إلى عصور الرقي المتقدمة في أدبنا العربي.
نزيهة الصبية كانت شعلة من ذكاء بحيث فاقت أقرانها في حفظ القرآن الكريم وتلاوته..، وقراءته بما يصطلح عليه في ذلك المنهاج التربوي العريق في البصرة الفيحاء بـ:
1
ـ الاسراد (القراءة السردية المألوفة)
2
ـ الإعراب (قراءة هجائية تقرأ النص حروفه وحركاته بمتواليات واسترجاعات بالغة الصعوبة لا يقوى عليها إلا من يتمتع بذكاء خارق وحافظة استثنائية وبموهبة فريدة مقتدرة على ضبط الإيقاعات بين متواليات النص واسترجاعاته..)
قبل أكثر من عقد من الزمان قدمتُ دراسة إلى مؤتمر التراث الشعبي بلبنان كان عنوانها: (الملائية وكتاب الملايات، من شعر التراجيديا الشعبي وأثره في الثقافة العراقية...) نُشرت في أبحاث المؤتمر..، وكان بحثا مثيرا كونه أجاب عن أسئلة لا مجال لذكرها الآن..!؟
الشاهد في الموضوع أن من مصادري الرئيسة في البحث كان ما نهلته من خزين ذاكرة الخالة نزيهة رحمها الله.
غيض من فيض أثار دهشة ذوي الاختصاص في مؤتمر عالمي..، وكأنما الأصمعي حضر ما بينهم..، تلك هي الروح البصرية في الخالة نزيهة، وفي الأصمعي الذي تحفظ له أرجوزته:
صوتُ صفير البلبلِ/ هيَّج قلبَ الثَّملِ...!!؟
تلك الأرجوزة التي كانت تلقيها الخالة نزيهة على مسامعنا ـ ونحن أطفال ـ بطريقة سريعة جدا ذات نبر خاص تثير به انتباه الطفل وتحرضه على الفطنة وتغريه بحب الاستعادة لملاحقة النص ومحاولة فهم شيء منه وتقليده وحفظه...!!!؟ 
إنه مقصد من المقاصد التربوية البصريَّة التي صنعت الخالة نزيهة وأرادت بسط تلك الصناعة لنا بأمانة واقتدار.
مدهش كان إلقاؤها وكأنها تستجيب لتحدي الذاكرة في أرجوزة الأصمعي..، وتتحدى في لهفة طفولتنا كل القصة؛ مما يحرَّضنا على الاستجابة مع كل استعادة والقاء جديد...!؟
إنه الدرس القديم المستعاد في تشقيق كوامن الإبداع في عقل الطفل ومخياله الطري...!!؟
إيهٍ خالتي نزيهة..!!
كم كنتِ وفية لثقافتك..، ولما سار عليه المبدعون من البصريين الأوائل..، وكم كنت نزيهة اسما على مسمى..، وكم كان من أشجار وارفة الظلال في ذاكرتنا الطفولية بذرتيها وسقيتيها ونميتيها بلا تعب ولا ملل ولا تأفف..، كنت تنسين كل آلامك وبلاءاتك ما أن نجثو أمامك لاستماع حكاية أو أنشودة أو مثل وحكمة ولغز ممتع مفيد...!!؟
لنا وقفة أخرى مع تراث الخالة نزيهة...
بقي أن استحضر طيفا جاءني ليلة رحيلها...!!؟
كان حاضرا فيه أبوها وأخوها الشيخان العالمان المحسن والهادي رحمهما الله
وكانت سدرة نبق لم أر مثل حجمها وخضارها في المكان الذي كانت تجلس فيه تروي لنا الحكايات ببيتها في محلة (المجصة)..، السدرة تقطع وكأنها ترتفع إلى السماء..، وأختها ورفيقة دربها أم الحسنين تنادي يريدها حسين...!!؟
رحيلك كان أيام رحيل الإمام الحسين (ع)
ولكنك السدرة الخضراء التي لا تموت
كما لا يموت الحسين...
كلاكما ظُلم
وكنت الوفية له في ما تتلين لنا من أشعار في محرم الحرام
رثاؤك تجاوز الكلمات إلى الوجود
تعلمت من الإمام الحسين كيف تكونين مظلومة وتنتصرين...!!؟
انتصارك كان مترجما بالعطاء..، بالصبر...، بالحب..، بالبراءة التي لا يمتلكها إلا الأطفال...!!؟
هنيئا لك الجنة...أيتها الخالة التي ترجمت مثلَها الشعبي الأثير : (خامَةْ و زبيلْ ترابْ...تاليْ العمرْ موتْ..) ترجمة اليقين الذي يورث الزهد...
والذي يمنحنا فقه وجه الشبه في مقولة الإمام الحسين :
((خُطَّ الموتُ على وُلدِ آدم مَخَطَّ القلادةِ على جيد الفتاة))...!!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة للبصرة 1913م


التنبؤ بعلامات الظهور

"ظاهرة الانتظار موجودة عند الشيعة، حتى قبل أن يولد الإمام المهدي -عجل الله تعالى فرجه الشريف-، والشحن العاطفي عند الشيعة ينبع من الولاء لأهل البيت (ع)، وجاء الانتظار نتيجة الاضطهاد الذي عانى منه الشيعة، فكانوا لا يرون خلاصًا من هذا الظلم والاضطهاد إلا بخروج الإمام المهدي (ع)، فكانوا يعيشون انتظاره، يعيشون على العلامات، وهذا لا يكفي.
السلبي في ذلك أن يتمثل انتظارنا لخروج الإمام في أن يخرج ليعمل بالمعجزة، ويطور العالم بالمعجزة.. النبي (ص) لم يعمل لتطوير العالم عن طريق المعجزة، وإنما استعمل
الطرق الطبيعية المألوفة. فنحن إذن بحاجة إلى أن نهيئ الظروف التي تساعد على خروج الإمام، وقد تناولتُ هذا في محاضرة طويلة بعنوان (مَن ينتظر مَن ؟).
أما أن نبقى على حساب الحوادث، هذه الحادثة من علامات الظهور، وهذه الحادثة من علامات الظهور.. نعم، نقول إن شاء الله أن تكون كذلك، ولكن هذا لا يكفي. في الواقع، نحن علينا واجب تهيئة الظروف."
من كتاب (حوارات في الدين والفكر واللغة) مع العلامة الفضلي (رض)

سرقة الوعي

ما الذي يسرق وعي الإنسان ويأسر ما لديه من طاقة ذهنية طاقة الشوق إلى المعرفة المتطورة ويقنعه بالاكتفاء البليد بما يقدم له من أوهام تدعي أنها حقائق؟ ما الذي يدفع الإنسان ضاحكا إلى أن يضع الحبل في عنقه ليقوده آخر إلى حيث يجعل منه سلما لأطماعه؟
أول ما يبدو من أسباب ذلك هو شل حرية المثقفين عن محاربة الأوهام البراقة التي تغري الشباب بسهولة بالانقياد لها لما فيها من تلبية لرغباته المكبوتة، ولأنها تفتح أمام أمانيه الضبابية افاقا من الوهم، والوهم من أشد الأمور إغراء.
أما ثاني الأسباب فهو التعليم ذو البعد الواحد والأحلام ذات البعد الواحد، فهما بصفتهما هذه يقولان وجها واحدا من وجوه الحقيقة ويطمسان الأجزاء الأخرى وهنا ينشأ المتعلم أو السامع متوهما أن ما تعلمه أو سمعه هو الحقيقة كلها ويظل مخدوعا بهذا الوهم ما لم تتداركه سعة المعرفة والخروج من السياج الذي وضع فيه.
ثالث الأسباب هو «العزلة» عن المجتمع، ان العزلة عن المجتمع تعني التحصن داخل خصوصية ماضوية تعني أن الفرد في صمم عن التعليم ذي الأبعاد المتعددة وعن الإعلام المتصف بهذه الصفة.. ان الشاب في التنشئة الغربية لا يعاني من الأمور المذكورة في السببين الأول والثاني ولكنه غير قادر على تجاوز ذاته.
لذا يقول الفيلسوف كانط في الإجابة عن السؤال ما هي الأنوار؟ ما يلي: «إنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو مسئول عنه، قصور عجزه عن استعمال عقله دون إشراف الغير.. قصور هو نفسه مسئول عنه لأن سببه يكمن ليس في عيب في العقل بل في الافتقار إلى القرار والشجاعة.. الخ»
في مقال لصاحب التحليل الثقافي السيد يس يجيب فيه عن السؤال: ما الذي يدفع الشباب من الغربيين إلى الهجرة للانضمام إلى داعش؟ يقول: «مرد ذلك إلى سقوط الأديولوجيات التي كانت تجتذب الشباب سواء كانت رأسمالية او اشتراكية فقد الشباب بفشل هذه الأدلوجيات التي تمنحهم اليقين بصواب اختياراتهم.. الخ».
هذه الإجابة تفتقر إلى التريث قليلا: فهل سقطت فعلا الرأسمالية والاشتراكية؟ وإذا كان سقوطهما واقعا فلماذا لم ينطبق هذا على سائر الشباب؟ ولماذا هو مختص بفئة عقائدية واحدة؟ ولماذا لم يشمل كل شباب هذه الفئة؟
ماذا ترجح أنت؟ هل ترجح مقولة أو تعليل الفيلسوف كانط أم تعليل السيد يس؟ لا شك عندي في أن الفيلسوف كانط قد أصاب كبد الحقيقة كما يقول القدماء.