الاتكاء هو الاعتماد على شيء ما، ونحن نعرف المادي مثل اعتماد الفرد على غيره أو كما عبر أبوالعلاء عن نفسه ب «المستطيع بغيره» وهذا ليس موضوع هذه المقالة.. موضوعها هو الاتكاء المعنوي مثل اتكاء الفكرة على فكرة أخرى سابقة لتعزز من الالتفات إليها أو لإعطائها قوة إقناعية أو شرعية الدخول إلى سدة الأفكار التي توصف بالإبداع أو البكارة، وإذا كانت ذاكرتي أمينة «ولا أظنها» فإن أبا تمام كان يلقب ب «المتكئ على نفسه» ذلك لأنه خرج على الذوق النقدي العام حتى إن بعضهم قال في شعره:
«إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل»
الاتكاء في الآداب والفنون ظاهرة دائمة، ولكن أحد مفكرينا المعاصرين اعتبر هذه الظاهرة نقصا وراح ينعى الأدب العربي كله بأننا لا نهتم بالعمل الإبداعي «إلا لأن دراسات استشراقية سبق وأن ربطته ب «معلمة غربية» لا نقرأ حي بن يقظان إلا لأن علاقة نسجت له مع روبنسون كروزو، ولا رسالة الغفران إلا لما ربطت به من علاقة مع الكوميديا الإلهية، ولا دلائل الإعجاز الا مقارنة بسوسير، ولا المنقذ من الضلال إلا مقارنة بديكارت، ولا المقدمة الا ارتباطا بأوغست كونت... الخ».
وأضيف الى هذا بعدا آخر هو اننا حين نريد اضفاء الاصالة على فكرة ما فلا بد من ربطها بقول احد القدماء، وهذا عجز فادح لأنه يعني تداخل الازمنة واختلاط الحابل بالنابل.
لماذا الاتكاء؟
الابداع هو التجاوز وليس البداية من الصفر، فهذه مستحيلة في ميدان الآداب والفنون.. والاتكاء المؤقت ليس محل جدال فهو ظاهرة موجودة في كل زمان ومكان، انه يكون محل ازدراء حين يكون مستمرا لأنه يدل على الضعف والعجز وجدب الفكر.
ويرى كثير من النقاد ان الاتكاء في الساحة الثقافية عندنا اتكاء مستمر مما يدل على العقم الفكري غير ان هذا - كما يرى من يضع التفاؤل على عينيه - عائد الى اسباب خارجية وليست موضوعية أي ليست عائدة الى الذات المبدعة بل الى الظروف الاجتماعية والسياسية المحدقة بها مثل الرقابة الاجتماعية والسياسية على حركة الابداع، فلا ابداع بدون حرية.
لقد تنبه الناقد القديم حازم القرطاجني الى هذا التداخل أو التساقي بين الذاكرة والتمييز والصناعة حين قال: «لا يكمل الشاعر على الوجه المختار الا بأن تكون له قوة حافظة وقوة مائزة وقوة صانعة» القوة الصانعة هي التجاوز والمائزة هي القدرة النقدية، اما الحافظة فهي التي تقول لنا: «لا شيء يبدأ من الصفر».
ما رأيك انت هل نلبس نظارة التفاؤل أم نظارة التشاؤم؟