الأحد، 1 فبراير 2015

يوميات تُركية / الحلقة الرابعة

طال وعرض وتفلطح نقاشي الحاد مع الحبيب ناجي حرابه و كان محوره المتنبي هل هو شاعرٌ متسولٌ يتكسبُ بشعره أم صاحبُ مبدأ ورؤىً ذاتيةٌ هي محركُه الأول لكتابة القصيدة ؟وقد اختلفنا بالآراء والأيدي .. فلا أنا أقنعتُه برأيي الصائب طبعا ولا هو أقنعني برأيه ( اللي مو صائب ) طبعاً ولا تركنا لنا الاستمتاع بمنظرٍ خلاب باهرٍ يتغنجُ جمالاً تحتنا .. فتلك السفوحُ المعشوشبةُ اخضراراً وتلك المدنُ التي تقتاتُ الحضارةُ منها لم تخطفْ من عقلنا لباً ولم تأسر لخافقنا قلباً .. والسبب المتنبي العظيم حسبيَ اللهُ عليه .
( باكو ) عاصمةُ آذربيجان هي مقصدُنا - لا أعرفُ ما تعني بلغتهم ولا بلغتنا - ولكنها تعني بالمصرية الألف الذي يُعدُّ واحداً على ألف من ( الأرنب ) والأرنب يشكل بجوارحه ( مليوناً ) ، المهم هبطتْ بِنَا الطائرةُ فوق ( باكو ) وفي مطارها الصغيرِ حجماً الأروع جمالاً وألقاً البيضاوي الشكل حتى كأنكَ ببلورٍ فضيٍ ناصع ترى مدينة باكو من خلاله لوحةً سريالية دافنشية آخاذة ، فهنا اُختُطف لبُّـنا وقررنا المكوث بها يومين فالثلاثُ ساعات ( الترانزيت ) بها لا تشبعُ نهمَ عينٍ تعودت ألا ترى إلا الجمال ،، سألناهم ما ضريبةُ تشريفنا لكم يومين ؟ قالوا كي تتشرفوا بِنَا لا بد من ڤيزا والڤيزا لا تؤخذُ إلا من السفارة . هنا أُسقط في يدنا وأنّبَنا ضميرُنا كيف يُحرم هؤلاء من فتيةٍ ( مطاحيل ) كأشباه الدر المكنون والمفضوح مثلنا ،، ولكنه حسدُ الحضارة الذي لا يهوى للجمالِ ألقاً وبهاءً .
حينَ أقلعتْ بِنَا الطائرةُ والتفَّتْ حول بُحيرة قزوين - والذي تتكيء عليه باكو آمنةً مُطمئنةً - شعرنا برغبةٍ عارمةٍ مُلحَّةٍ بالتصفيقِ ( وتبطيل فمِنا حدَّهُ ) إعجاباً وانبهاراً فهذا البساطُ الأزرقُ بأمواجه الرقيقة التي تشكلُ خيوطاً رفيعةً طويلةً ثُم تنقضُ نفسها في مشهدٍ مُتكررٍ كإيقاعٍ ( فيروزيٍّ ) مُتناغِم ، لم تزل محفورةً في الذاكرة .
المسافةُ بين باكو واسطنبول حوالي 3000 كم فتلك بأقصى الشرق الآذري وهذي بأقصى الغرب التركي لم نقطعها بجدلٍ ولا اختلاف بالآراء والأيدي بل بصمتٍ رهيب مُطبق ، من هول ما مرَّ بِنَا من تعبٍ ، فـ يومٌ شهدنا تفتحه بـ دبي واقتطفناه بإسطنبول لكفيلٌ بإرهاق ضراغمةٍ صيدٍ كالجبال أمثالنا .. لحظاتٌ وإذا بإسطنبول تعرضُ لنا فتنتها وسحرَ أناقتها بأنوارها اللامعة في ليلٍ ناعم ذكّرني بالمرحوم صديقي نزار قباني وهو يُعانِقُ هونج كونج :
والليل في هونكونغ .. 
صندوقٌ من الحلي
بعثرهُ اللهُ على الجبال
وللحديث بقيةٌ 
زكي السالم


ليست هناك تعليقات: