تناول سماحة الشيخ عبد المحسن النمر في خطبة الجمعة الأخيرة العلاقة ما بين الدين والعلم وانتهى من خلال حديثه عن العلاقة بينهما هي في الحقيقة علاقة تعاضد وتكامل بخلاف ما نتج من بعض التجارب التاريخية البشرية التي تبنى فيها علماء دين نظريات خاطئة وربطوها بالدين وحاربوا من يتبنى خلافها.
وابتدأ سماححته الخطبة منطلقا من الآية الكريمة ( قالت رسلهم أفي الله شك خالق السموات والأرض) مبيّنا أمن الكثير مما تواجهه الإنسانية من مصاعب في يومنا الحاضر هو بسبب ضعف إيماننا بالله، وأوضح أن الانطلاقة العلمية والتجريبية والتقدم المادي غير المسبوق الذي تعيشه البشرية، كان لها آثار سلبية سيئة ومرّة على الإنسان.
· الغرور العلمي
وأوضح سماحته أن أكبر هذه النتائج السيئة هو الشعور بالغرور والانبهار بما وصل إليه الإنسان حتى شعر أنه المسيطر وصاحب الكلمة الأولى في هذا الوجود، ولذا فإن معظم هؤلاء ضعيفوا الاعتقاد بالخالق والتمسك بما جاءت به السماء، والقليل منهم يؤمن بوجود الله تعالى.
والمشكلة ليست في وجود شعور فطري لدى الإنسان بوجود الله لا يمكن التهرب منه، بل في الغرور والضعف في الإيمان والشك في الله ( أفي الله الله شك فاطر السموات والأرض)، هذه الآية متعددة الأبعاد، فهي ذات نهج فلسفي، وذات بعد آخر هو الحركة العقلية، وذات بعد ثالث هو الالنهج العرفاني، ولكننا سنقتصر على التعريف الفطري.
كأن الآية تقول: أيها الإنسن، ألا تجد في داخلك شعورا بالإيمان بخالق هذا الوجود ؟ ألا تشعر بأن وراء هذا الوجود الجميل مبدع؟
· آراء حول علاقة العلم بالدين
طبيعة التداخل بين العلم والإيمان تتضح من خلال عدّة مواقف:
1- علاقة تناقض بسبب حكم أوروبا من قبل مدرسة دينية ادّعت جملة من الخرافات، ولا شك أن إجبار الناس على الإيمان بهذه الخرافات ولّد ردة فعل لدى العلماء.
وكذلك بعض المسلمين مع الأسف تبنى بعض الخرافات، فرفض كروية الأرض ونسبة هذا الرأي إلى القرآن يؤدي إلى تعارض العلم مع الدين والدين من هذا بريء.
2- وهناك توجه يرى أن الدين لا دخل له في بالعلم، والعلم لا شأن له بالدين، فالدين ميتافيزيقيا لا تمس الواقع، فالمسألة مزاجية قد يتبناها أشخاص ويرفضها آخرون.
وهذا توجّه خطير لأنه يرى أنّ الدين لا يحكي عن شيء واقعي، ولا حقيقة لهذا الدين، وهذا الكلام لا حقيقة له، الدين منتج علمي، والإنسان بمنهجه العلمي الفطري يدرك أن هذه الكائنات لا تملك أمر نفسها وأن هناك خالق ومدبر لها وأرسل لها رسلا وكتبا.
· كيف نأخذ العلم
كيف نأخذ هذا الدين وما الشروط الصحيحة للوصول إلى العلم:
1- العلم مقدس من مقدسات الدين، والدين جعل العلم مقدمة للمعرفة ومقدمة لليقين، ولم يقل الدين للإنسان: أنت لا قيمة لك ولا لتفكيرك ولم يلغ تجربة الإنسان ومناهجه.
2- (إنما يخشى الله من عباده العلماء) إن الله تعالى يريد منّا الخشوع ويقول إن الطريق لله هو العلم فقط، كما أنه لا قيمة للعلم إذا تخلى عن أول حقيقة يشير إليها وهي وجود الله تعالى مدبر الكون.
3- العلم والدين مظهران لحقيقة واحدة، الله فطر الإنسان للعبادة كما فطرهم للمعرفة والسعس والإدراك. يقول الرسول الأكرم (ص) : " العلم دين والصلاة دين"، التعلم تقرب لله، وحركة فطرية وحركة فطرية نحو الكمال، والصلاة هي رمز للتقرب والتوجه نحو الله، إذا فهما منسجمان ويدعمان بعضهما.
· من أين يستقى الدين؟
عن الإمام الحسن (ع) "عجبا لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله". يجب التدقيق ومعرفة ممن نأخذ الدين.
فلينظر الإنسان إلى طعامه). عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: فلينظر إلى علمه ممن يأخذه، يجب أن يكون لدينا حرص على نزاهة معرفتنا الدينية.
عن الإمام الصادق (ع) أن الله تعالى قال " لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن معرفتي". فلا بد أن تختار من علاقته بالله تعالى صافية.
عن أمير المؤمنين (ع)" زلة العالم كانكسار السفينة، تغرق
وتغرق معها غيرها". ولذلك العالم يجب أن يكون على حذر من أن يخطئ ويجر الناس إلى الأخطاء والضياع.
- ما نراه من حروب أكثرها ترجع أسبابها إلى أناس ادعوا الارتباط بالله فانزلقت البشرية بسبب ثقتها فيهم إلى ما لا يحمد عقباه.
- يجب على الساعي إلى الله تعالى أن يكون على بصيرة ومعرفة، حتى في اتباعه لأهل الحق. عن أمير المؤمنين (ع): " لا تطلب الباطل من أهل الحقّ، كونوا نقّاد الكلام".
الناقد هو من لا تفوته الأخطاء حتى لو كانت مخلوطة بالحق.
في الختام:
في حركتنا في الحياة نحو الكمال يجب أن نتمسك بمبدأي العلم والإيمان معا دون تفريق. يقول آية الله جوادي آملي في حديثه لطلاب الجامعات: في الحوزات نحن ندرس كلام الله، أما أنتم فتدرسون أفعال الله، وكما أن التدارس في كلام الله تعالى له قدسيّة، كذلك التدارس في أفعاله هو نحو من أنحاء التعرّف على جلال الله وكماله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق