ها قد فرغ المدرب (سكوت) من شرح نقطة رائعة جديدة في الدورة التي أحضرها. كل شيء في تلك الدورة كان مبهراً. والحضور اتفق على أهمية ما فيها من مهارات ونصائح من شأنها أن تغير حياة الفرد نحو الأفضل بشكل كبير. طلب منا المدرب أن نناقش محتوى النقطة الأخيرة في مجموعات صغيرة. وفي حوارنا المصغر عبّرت للمجموعة التي كنت معها عن مدى إعجابي بهذه الدورة، فأومأ الجميع متفقين، إلى أن علق أحدهم "كل هذا في الدين" وأسهب في محاولة إقناعنا أن هذه الدورة ومثيلاتها هي نوع من الترف الفكري في ظل وجود التعاليم الدينية. كان واضح على صاحبنا أنه طوال الوقت كان يقف موقف المتفرج من كل ما تعلمناه. وفي حوار ثانٍ امتدح زميل آخر المادة العلمية التي تغطيها الدورة، إلا أنه استطرد قائلاً "ولكن مثل هذه الدورات لا تصلح لنا نحن العرب" لأننا مخلوقات ميؤوس منها على حد رأيه!
لا أنكر أنني انتابتني خيبة أمل من ردود الأفعال هذه. يبدو أن الكثير بيننا تحولوا – دون دراية – إلى (أحجار) صمّاء. لو غمرت حجراً في الماء، فهل سيتسلل شيء من ذلك الماء إلى داخله؟ بالطبع لا. قد يتبلل الحجر قليلاً ولكنه سرعان ما يجف ويعود كما كان.. وكذا حال الكثيرين، فهم لا يتقبلون أي شكل من التغيير.
الإنسان (الحجر) عنيد، لا يغير قناعاته بسهولة. إذا حاورته تجد أن غايته أن يكون على حق، لا أن يتبع الحق. وإن نجحت في إثبات صحة رأيك تراه يبحث عن أي عذر لكي لا يتفق معك. هو ببساطة غير مستعد لتغيير أي من آراءه. ربما لأنه يعتبر تغيير القناعات هزيمة اجتماعية، وأن العناد من شيم الأقوياء. كما أنه مكتفٍ بذاته، لا يحتاج أن يعلمه أحد أي شيء، مثل صاحبنا الذي قال "كل هذا في الدين" ثم كان الوحيد الذي يغش الإجابات في امتحان الدورة!
ولو اعترف الانسان الحجر بصحة رأي أخر غير رأيه، فإنه يرفض أن يتبناه، ولو على حساب مبادئه. أحد المواقف الذي تكرر معي أكثر من مرة هو أن أحاور شخصاً في مسألة فقهية، وحين أنقل له الحكم الشرعي يقول "أعلم أن هذا رأي الشرع، ولكنني غير مقتنع"! وما أكثرهم.
والإنسان الحجر متشائم. لو كتبت جميع كلامه في ورقة وراجعته، لوجدت أن معظم جملاته سلبية وخالية من الأمل، على غرار "هذه الدورات لا تصلح لنا نحن العرب". هو متشائم من الحياة والمجتمع والعمل والأسرة بل ومن نفسه أيضاً. "أنا سيء في الدراسة" "أنا ضعيف في إدارة وقتي" "لا يمكن أن أحسن حياتي"... في الدورة المذكورة أعلاه، ذكرت لأحد الزملاء أن (سكوت) قال لي في حديث خاص أنه يقرأ في كل أسبوع كتابين، فبادرني غير مصدق "يخسي"!
في المقابل، يعجبني الإنسان الذي يكون كـ(الإسفنجة) التي تمتلك القدرة على امتصاص المياه. فهو يعتقد أن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب. الإنسان الإسفنجة يسمح لمياه الأفكار النيرة أن تتغلل في مسامات تفكيره. ولا يخشى أن يعترف أنه كان على خطأ لأنه يسعى للحقيقة لا لأن يكون على حق. يريد أن يجمع العقول إلى عقله لا أن يفرض عقله على الجميع. لذلك تجده مستمع جيد، خلافاً لـ(الحجر) الذي يريد أن يكون أكثر المتكلمين وأقل المصغين.
والإنسان الإسفنجة يسعى لتقمص الحقيقة لتكون واقعاً في حياته. فلو تعلم شيئاً جديداً تراه يحاول أن يتغير على أساس ما تعلمه، دون رفض أو مكابرة. لذلك تجده في نمو وتطور دائمين. كما أنه يؤمن بالتغيير، لذلك فهو بعكس (الحجر) لا يخشَى من الأمل ولا يتشاءم.
انتهت الدورة وعاد كل منا إلى بيته. بعضنا رمى كتاب الدورة في أحد الأدراج. البعض الآخر أبقى الكتاب على مكتبه ليراجعه ويعمل ما فيه. أما (سكوت) فعاد ليقرأ كتاباً جديداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق