الأحد، 24 أغسطس 2014

الشيخ عبد المحسن النمر: سوء الظنّ أوصل الأمة إلى ما هي عليه اليوم من تشرذم واحتراب

أكد الشيخ عبد المحسن النمر في غضون حديثه في الخطبة الأخيرة عن الفرق بين الحذر وسوء الظنّ أن سوء الظنّ هادم للأسرة وللمجتمع وللأمة، مبيناً أن ما تعانيه الأمة اليوم هو من آثار سوء ظنّ مكونات الأمة ببعضها.

وابتدأ سماحته الخطبة تاليا الآية الكريمة ( الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) مبينا أن "الإسلام يحصّن الإنسان في ذاته من أمراض الذات التي تصيب الإنسان في طبيعته وفطرته ويبقي على ما ينجيه، ولذا فإن ختام الآية التي ابتدأنا بها يشير إلى أنّ العذاب الذي يصيب الإنسان هو عذاب في الدنيا والآخرة".


• المنشأ الطبيعي للظنّ

وأوضح سماحته أنّ إشاعة الفاحشة يستند إلى عنصر أساسي هو سوء الظنّ والشك في الآخرين وإن كان في أساسه أمر فطري، بل من غير الصحيح إيجاد شخص لا يشكّ أبدا. لأنّ الشكّ بدرجة طبيعة إيجابية تحفظ الإنسان من الوقوع في مكائد الآخرين.

فعن أمير المؤمنين (ع): " المؤمن كيّس فطن". الإنسان حين يسلّم نفسه وإيمانه لأيّ شخص فهو يوقع نفسه في التهلكة. وعن أمير المؤمنين (ع) أيضا: " صرعة الاسترسال لا تستقال". ومن الاسترسال أن يدخل الإنسان في كلّ علاقة دون حذر.

• بين الحذر وسوء الظنّ

وأضاف سماحته: الكلام عن الدرجة الثانية وهي التشكيك فوق الدرجة العادية، فالحذر وسوء الظنّ يجتمعان في أنهما احتمال السوء، إلا أنهما يختلفان في أمور أخرى:
1- الحذر والشك الصحيح يبتني على قرائن عقلائية ومعلومات حقيقية وليس مجرد ظنون نفسية.
في حديث القرآن عن حادثة الإفك يقول الله تعالى (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم)، إذا فهو لا يتجاوز اللسان ولا يصل إلى مرحلة الفكر والتدبر والتأمل والتفكير، هذا هو الفاصل.


يجب أن يكون الإنسان عقلائيا في تقدير الأمور، فليس بمجرد أن يقال ويشاع يأخذ به، فكم من فرية انتشرت عن مذهب أهل البيت (ع) لا أصل لها، فإلى اليوم يقال أن الشيعة يقولون: خان الأمين، هذا مثال من مئات الأمثلة التي تقترى.

2- الفرق الثاني بين الحذر وسوء الظنّ أن الحذر يكون في شؤون الإنسان الخاصة وفيما يملك، فهو يحذر فيما يخص ذاته وحقوقه وحقوق بيته وأهله. أما سوء الظنّ فيتحوّل إلى ظلم للآخرين، لو أنّ الإنسان التزم الحذر في حدود نفسه لكان محقا، أما سوء الظن فهو تجاوز على الآخرين وظلم لهم.

3- الحذر يستلزم الحيطة، ولكنه لا يبيح للإنسان الإشاعة والغيبة، فلا يحقّ لك نشر شكك، وتحويل الأمر إلى أمر مشاع فهذا ما حذرت منه الآية الكريمة.


• آثار سوء الظنّ

من اآثار السيئة لسوء الظنّ:

1- تمزيق المجتمع والعائلة وبين الزوج وزوجته، إذا تعود الزوجان على سوء الظن فهذا يفتك بالحياة، وكذلك في علاقة الأولاد بأبيهم، وكذلك علاقة الأب بأولاده، سوء الظن يفكك العائلة وإذا شاع في المجتمع أهلكه، وإذا شاع في الأمة أصبحت غير قادرة على الدفاع عن نفسها.
ومع الأسف، البعض يشيع أن هذا المذهب يريد  السوء بالمذهب الآخر، ما نراه اليوم هو من سوء الظن بين المذاهب وبين المتدين وبين من يسمى بالحداثي أو غير ذلك من فئات المجتمع.

2- من الآثار السيئة لسوء الظنّ التوطئة للفساد، مثلا، لا تتوقف وسائل الإعلام عن تناول الأمور الشاذة وتسميتها بأنها " ظاهرة"  ويراد علاجها، كالجنس الثالث مثلا، ربما يكون هناك  خمسة أو ستة من الشاذين أو أعداد قليلة من المنحرفين فهل نحول هذا إلى قضية اجتماعية تحت مسمى البحث عن الحقيقة وعن العلاج؟!  وهذا فيه نوع من الترويج، فالبحث عن الحقيقة له أساليبه وليس في وسائل الإعلام.

3- إيقاع اليأس والإحباط في قلوب المصلحين وقلوب أبناء المجتمع، وذلك حين يقال بأن المجتمع يفعل كذا وكذا ولا فائدة من نصحه ولا أمل في هدايته، وبالتالي وبالتالي لا يهتم أحد بالدعوة إلى الخير لأن الصورة عند الناس أن المجتمع هالك لا قيمة له ولا أمل في إصلاحه.

4- تشويه صورة أهل القدوة في المجتمع، الإنسان تارة يتأثر بالمنطقتارة، وتارة يتأثر بالقدوة، وهذا مؤثر جدا، أن يرى نماذج كاملة لها بريقها وجاذبيتها، أهل الصلاح والعلم والمعرفة هم من تتوجه إليهم أسهم التشويه بالدرجة الأولى. كم من خبر لا أصل له بأن فلان صدر منه وفلان فعل كذا.

صحيح أن الحذر واجب في الاتباع والاقتداء ولكن التعميم لأن فاسدا لبس عمامة ينتهي إلى أن لا يوجد قدوة. كلنا رأينا أشخاصا حققوا النجاح والفلاح والنصر والأخلاق لم يسلموا من أن توجه إليهم سهام التشكيك والظن والسوء والدعوات الكاذبة.

القرآن الكريم يؤكد أن الإنسان الذي يسلم قياد قلبه لسوء الظنّ ويصدق الإشاعات الكاذبة ينتهي للفساد ولا يقوم بالبناء ولا يتوقف سوء ظنه عند حدّ. يقول أمير المؤمنين (ع) : " لا دين لمسيء الظنّ" الإنسان الذي يسيء لا يحسن الظن بأحد يدرج في إساءة الظن فيبدأ بالمجتمع ثم بالعلماء والقادة ولا ينتهي إلى حد معين.

حتى أنبياء الله عز وجل يمكن أن يطالهم سوء الظن، يقول الله تعالى  ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم). الأنبياء جاؤوا بدعوة الحق والدعوة للخير، لكنّ سيء الظن يقول أن هؤلاء يريدون الرئاسة ونحن أولي المال والقوة ويأتينا شخص يريد أن يتفوق علينا، فلا يقبل الحق.

• نتائج الموضوع

النتائج التي نريد أن نتوصل إليها هي:


1-  أنه حينما تشاع معلومة فنحن بحاجة إلى التبصر، أولا على الإنسان أن يبحث بجد، هل هذا الكلام صحيح وواقع وأنه ليس مبالغا فيه ولا مبتورا من جملة كلام، ليس مقتطعا، وليس أمرا جزئيا من أمر كلي فقد نجد كلاما يمسّ شخصا، وهذا الشخص له جانب نقص، ولكن هل كل حياته ناقصة؟

2- نفترض أنّ إنسانا ناقص، فهل كل أمثاله نطلق عليهم نفس الحكم، لو قلنا أن فلان من البلد الفلاني فيه طبيعة سيئة، فهل نحكم على كل أهل هذا البلد أن فيهم هذه الطبيعة؟ هذا أمر يجب أن يتحقق منه الإنسان أولا.

3- حتى لو كان هذا الأمر صحيحا، وعلى فرض أنه مطابق للواقع، وأن هذه الصفة السيئة موجودة في فلان، أو أن شخصا صدر منه بالفعل عمل سيء، فهل هو أمر جائز أن ننقله؟ الشارع المقدس لا يجيز أن نتحدث عن كلّ أمر وإن كان أمرا حدث واقعا.

فالغيبة التي هي من أكبر الكبائر، أليست ذكرا لأمر واقعي حاصل بالفعل؟ ولكن الشارع المقدّس لا يجيز لنا أن نذكره ونتحدّث عنه.

4-  فلنفكر في أي حديث نريد الخوض فيه، هل نتائجه إيجابية؟ هل له أثر إيجابي عند الناس؟ لنفترض أني وجدت مرضا ما أو مشكلة اجتماعية في المجتمع، فهل هذا يبرر أن أتكلم عن الصغير والكبير ومن يعي ومن لا يعي؟ وعند من له علاقة ومن ليس له علاقة؟ أي فائدة من بث هذا الأمر؟
 أي ثمرة مثلا من الحديث عن المدرسين لرجل ليس له علاقة بالتدريس أو الطلاب أو شؤون المدارس، ما الثمرة غير أن أثبط مشاعره وأقتل ما في نفسه من حبّ الخير، أو أن آتي إلى مدرس مثلا وأقول له أن المهندسين يعملون كذا؟! أو آتي إلى طائفة وأشيع ما يحرضهم على طائفة أخرى، أو أذهب إلى أهل بلد وأخبرهم أن أهل البلد الفلاني الآخر هم مجرد مدعين للإيمان وإلا فهم ليسوا محققين له، فأي فائدة في ذلك؟!

يجب أن نكون واعين لما ننشر ولما نتحدث عنه وما نبلغه للناس، ويجب أن يكون ما نتحدث به أمر يدعو الناس إلى تحسين وضعهم ويجذبهم إلى الله وإلى الخير، وليس أمرا يشيع بين الناس التفكك والضعف والانحلال

وختم سماحته داعيا الله تعالى أن يحقق المحبة والعدالة والرحمة بين المؤمنين والمسلمين.  

ليست هناك تعليقات: