الأربعاء، 27 أغسطس 2014

مواقف مع العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي

ذات مساء .. كلفني أحد الأخوة الأعزاء بإيصال امانة لسماحة الدكتور الفضلي رحمه الله .. و هي مجموعة من كتب السيد فضل الله قدس سره عليها اهداؤه و ختمه للدكتور ..
سأنقل هنا ثلاثة مواقف أثارت دهشتي حسب ما فهمته و أتذكره من كلام الشيخ مراعاة لدقة النقل .. و الله على ما أقول شهيد .. و الهدف من نقلي اقتناص الدروس و العبر من سيرة هذا العملاق
الموقف الاول :
كان الدكتور متعبا جداً لعودته من رحلة علمية الى احدى القرى النائية في اليمن ، حيث قصدها - رغم كبر سنه - لتوثيق احدى لغات العرب و التي لم يزل اهل تلك القرية محتفظين بها .

فعلا ..
يجب ان نشعر بالخجل نحن الذين ندعي الرسالية و الفكر و المعرفة حين نخدع أنفسنا بقولنا : لقد قدمنا الكثير و يجب ان نتوقف الان لنتفرغ لأنفسنا !!!

الموقف الثاني:

تطرق سماحة الدكتور الفضلي ـ رحمه الله ـ في تلك الليلة إلى فكرة إنشاء جامعة أهلية تعطي شهادة البكالوريوس في تخصص العلوم الإنسانية و الإدارة و الإقتصاد ، و قد تقدم شخصيا بطلب رسمي لوزارة التعليم العالي ، و لا زلت أتذكر مضمون كلمته : ( أنني أعرف سلفا أن طلبي هذا لن يلقى القبول لكنني أريد أن أوصل رسالة بأن هذا الأمر هو حق مشروع لا يخالف نظام الدولة ) ..
هذا الموقف وجه بوصلة التفكير نحو جوانب مثيرة قرأتها في شخصية هذا المفكر العظيم و هي :
ـ سعة أفقه و بعد نظره : فمنذ ذلك الوقت تقريبا 1995م و الدكتور كان يتنبأ بأن هناك حاجة ملحة في الخليج لوجود جامعات أهلية و أن فرص نجاحها كبيرة على المستوى العلمي و الاقتصادي أيضا .. و هو ما نلاحظه الآن في نمو قطاع التعليم الجامعي الأهلي .
ـ الدكتور كان يترجم قناعاته إلى أفعال .. يعمل بصمت .. لا يبحث عن عذر أو مبرر لتجميد الفكرة .. كان يعلم مسبقا بأن وزارة التعليم العالي سترفض طلبه .. لكن لسان حاليه يقول : وظيفتي أن أتحرك .. و التوفيق بيد الله تعالى .. على عكس الأبواق التي نسمعها صباح مساء .. و هي لم تقدم غير إثارة الفتن و الفرقة و الشحن و التنظير الأجوف !!!
ـ أنه رحمه الله كان ينأى بنفسه عن أي بعد طائفي أو فئوي في حركته ـ للأمانة هذا ما فهمته من موقفه و قد أكون مشتبها ـ لكني شعرت انه لم يضف صبغة دينية او مذهبية على مشروعه الجامعي ، كما أنني أعتقد أنه يفضل العمل تحت المظلة النظامية سعيا لاستمرار المشروع و لضمان سلامة القائمين عليه فيما لو كان ذلك مخالفا لنظام الدولة.


الموقف الثالث :

كنت مترددا في سؤالي عن رأي الدكتور في مرجعية السيد فضل الله .. 
خصوصا و أنه قليل الكلام في الموضوعات المثيرة للجدل .. لكن الأمر كان متعلقا ببحث البعض عن تكليفهم الشرعي في تقليد السيد فضل الله ..
قلت له : ما هو رأيكم في تقليد السيد فضل الله ابتداءا .. 
سكت قليلا .. ثم أجاب :
( السيد فضل الله مجتهد عدل .. و تقليده مجزيء و مبريء للذمة ) .
قلت له : لكن مرجعيته لم تطرح في الأحساء بل .. إن الهجوم عليه أصبح عادة سنوية عند بعض الخطباء و رجال الدين في وفاة الزهراء ع ، فهل تجد ذلك مبررا لعدم توجيه الشباب نحو تقليده خصوصا المبتدئين ( التقليد ابتداءا ).
كانت نظرة الدكتور شاردة .. ثم قال:
كل من يسألني من الشيعة المغتربين في اوروبا و أمريكا و استراليا عن تقليد السيد فضل الله أقول له أنه مجزيء و مبريء و أكثر ملاءمة لهم ، و كما أني ـ نص عبارته ـ ( وجهت حزب الدعوة العراقي بالرجوع في التقليد للسيد فضل الله ).
ثم دار نقاش حول رأيه رحمه الله في مسألة الأعلمية .. و أعتقد أن الدكتور له رأي خاص .. ربما كان أكبر من مستوى فهمي و استيعابي لذلك لن أذكره هنا ..

الفكرة التي أتمنى أن نعيد قراءتها جميعا من هذا الموقف .. ليست اجترار النقاش المثير حول شخصية و فكر السيد فضل الله قدس سره ..
بل حول طريقة تعامل هذا الرجل العظيم مع القضايا المثيرة للجدل و التي تشغل أشباه العلماء و أنصاف المثقفين صباح مساء .. حتى بات تسجيل مقطع يوتيوب أو إلقاء خطبة تهدف إلى تكفير المؤمنين و تسقيط المفكرين و توجيه التهم بالعمالة و الضلال و الانحراف جزءا من حياتنا اليومية.
هييييييييي .. أنتم .. يا أشباه العلماء .. و يا أنصاف المثقفين 
كان الدكتور الفضلي خليل الشهيد الصدر و ربيب السيد الحكيم و ثقة السيد القائد .. 
لكنه لم يتعامل يوما ما على أنه ظل الله في أرضه و حجته على عباده .
كان الرمز الأكاديمي و العلمي و الحضاري ..
لكنه لم يتنصل من ثوابته و لم يدع ِّ الإنقلاب على الموروث الديني و الروحي .

لا إعتراض على الموت .. 
لكننا فعلا .. نفتقد تلك الدقائق التي نسترقها في مجلسه المبارك لنخرج و نحن ننتشي ثقة و فخرا بأن علماءنا ليس كمثلهم علماء.

الفاتحة لروحه الشريفة

ليست هناك تعليقات: