بين مجتمعنا الشيعي في هذه المنطقة ومجتمع العراق الشيعي الكثير من اوجه الشبه «الايجابية» في العادات والتقاليد وفوق ذلك في الولاية لآل البيت
والحرص على الامتثال لتوجيهات المرجعية الرشيدة.... كما ان ثمة عوامل تشابه «سلبية» يشترك فيها المجتمعان، وللاسف الشديد فإن سلبيات قليلة قد تحرق كل تلك الايجابيات.

المجتمع العراقي وجد نفسه بين ليلة وضحاها محررا من نظام البعث الصدامي الذي جثم على صدره لعدة عقود، واذاقه الذل والهوان والقتل والتهجير.... كانت الفرصة سانحة للشعب العراقي بعد التحرر ان يتبوأ مركز الصدارة في العالم الاسلامي، ويقدم النموذج الشيعي للنظام الاسلامي بنسخته العربية...
ولكنه للاسف لم يتمكن الى الان ورغم مرور اكثر من عقد زمني من تحقيق ذلك
... وقد يعزو البعض سبب تعطيل هذا الانجاز الى جهات ودول ومنظمات ارهابية تخاف من اثار هذه الديموقرطية الفتية على انظمتها الاستبدادية... ولاشك ان لهذه الجهات دور في تأخير الحركة الديموقراطية في العراق، ولكن السبب الرئيس لهذا التأخير من وجهة نظر الكثير من المطلعين يرجع الى البيت «الشيعي» العراقي الذي لم يستطع الى الان ان يحسم امره ويتعامل بصدق وانصاف ومساواة بين افراد مجتمعه...
المجتمع الشيعي في العراق تحول الى احزاب وتيارت وتكتلات.... كل جهة تعمل للهيمنة واقصاء الاخر، وكل جهة تدعي انها تمثل الحق وتسترشد بالمرجعية... ودخلت العمائم معترك السياسة وتصادمت مع من ينافسها من التيارات الاخرى، عمامة تنتقص اخرى، وتيار شيعي رصين يهاجم تيارا اخر لا يقل عنه رصانة، اشاعة مغرضة بحق مؤمنين هنا، وهتك وتسقيط بحق اخرين هناك... وفي هذا المناخ الملغوم استطاعت الكثير من العناصر الفاسدة ان تتسلل الى مجتمعات العراق المحافظة والعريقة التي لم يتمكن النظام البعثي السابق من اختراقها...
وفي انتخابات عام 2010م كادت الاقلية ان تسيطر على البرلمان عن طريق صناديق الاقتراع، ولولا تحالف «المكون» الكردي الى جانب الكتلة الشيعية - وهو تحالف فرضته الظروف على الفريقين - لكان هناك كلام اخر...
كما ان بعض الشيعة الذين هُمشوا واٌقصوا استطاعوا الدخول بكتل صغيرة الى البرلمان، ووجدوا الفرصة للتعبير عن امتعاضهم من المواقف السابقة تجاههم من الكتل الكبيرة، فوضعوا انفسهم موضع المعارضة المنتقمة، وساهموا في تعطيل الكثير من المشاريع، وكانو كالموس في حلق حكومتهم؟!
ونحن هذه الايام في انتظار نتائج الانتخابات الحالية ولا يستبعد ان «السيناريو» نفسه قد يتكرر، وهذا درس مجاني لنا جميعا مفاده ان الاكثرية اذا اختلفت تحولت الى اقليلة، والاقلية اذ اتحدت تصبح اكثرية....
مجتمعنا في هذه المنطقة يعيش هذه الايام حالة من الاختلافات التي خرجت عن نطاق الخلاف الطبيعي والتنافس الشريف... تيارات متطاحنة كل منها يدعي انه يمثل الشرع ويسترشد بالمرجعية... اصطفافات وتحالفات لا يُراد منها النهوض بالمجتمع وتحصينة ثقافيا واقتصاديا واخلاقيا وانما لسحق تيارات اخرى منافسة... مساجد ومجالس ومؤسسات اجتماعية واوقاف تتحول الى ادوات للاقصاء والتمييز والقطيعة، فتُحتكر لجهة وتمنع عن جهة... ومن خلال هذا الحراك «المتخلف» يقف الشاب الذين يتطلعون بأمل وتفاؤل للمستقبل فاقدين للبوصلة لا يدرون الي اين يتجهون؟! ولاعجب ان يتمرد فرد هنا او مجموعة هناك، لان مايجري على الساحة الاجتماعية من تجاوزات على المبادئ والقيم والاخلاق تتبناه جهات من علية القوم يفترض انها النموذج الامثل لتطبيق تلك المبادئ.
وان من الامور البديهية ان المجتمع مهما كان حجمه لا يمكن ان يدار بيد واحدة، ولا بعقل واحد، ولا بمجموعة معينة، وانه متى ما استثنينا شريحة او مجموعة منه فان ذلك يعني اننا قطعنا شريانا من جسد المجتمع سيكون له اثار سلبية إن عاجلا او آجلا.... ولست ادري ماذا سيكون حال مجتمعنا لو داهمته رياح التغيير - كما داهمت غيره - واحتاج لمعركة انتخابية وهو في مثل هذا الحال؟!
خاطرة
هناك العديد من الاحاديث الشريفة التي كثيرا ما «نلقلقها» على الستنا ولا نعمل بها من ذلك ما جاء في الاثر عَن النُّعْمَانِبْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق