الحوار لغة جميلة .. ومنبع الحضارات .. وأساس الحياة .. وبه يستطيع الإنسان أن يصل إلى قلوب الناس .. وأن يستلهم كل المعاني الروحية والأخلاقية .. والتي من شأنها أن تقرب المسافات وتطرد الأغلال وتؤمن العيش الكريم للإنسان .
وبما أن لغة الحوار هي من أهم الركائز الأساسية .. لهذا اهتم بها القرآن أيما اهتمام .. وطبقها الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين وساروا على منهج الكتب السماوية .
وقد وضح القرآن الكريم هذا المنهج بقوله ( وجادلهم بالتي هي أحسن )
ولم يغفل الإنسان هذا الأمر .. بل أتى بكل أسلوب ومنطق .. ليبين للعقل البشري .. أن الحوار هو هدف للوصول إلى الحقيقة .. وبما أنه كذلك إذا يجب أن نفهم هذا المنهج السوي بكل حذافيره .. ونتبع كل خطواته .. لكي يوصلنا إلى دار الأمان .
وتفعيل لغة الحوار في الوقت الحالي لها انعكاسها على الإنسان .. بالرغم مما يلاقيه هذا الكائن الضعيف من هجوم شرس ومركز على عقله الضعيف من أجل إقصائه .. وبلورته بشكل يتلاءم مع .. أفكار مهاجميه ..
والهجوم على العقل ليس وليد اليوم .. بل هو طريق قديم قد سلكه القدماء في غابر الأزمان ..
ويجب أن نوضح أن هناك فرق بين الهجوم المركز على العقل واستغلاله .. وبين تبيان المنهج لأي فئة ..
فقد نجد فرد .. يحاول أن يوضح منهج أو طريق هو مقتنع بها .. بشكل عقلاني وسلس .. وليس به أي استغلال أو هجوم على الفئات الأخرى .. فهذا الطريق لا باس به ..
وفي المقابل.. نجد فئة .. أو فرد يحاول أن يتعدى هذا الخط الأحمر .. ويحاول أن يستخدم أسلحته الهجومية في فرض سيطرته على عقولهم وإخضاعهم بالقوة إلى ما يعتقده.. من أفكار وغير ذلك .. وهذا الأمر خطير جدا .. وهو يعد من المناهج السقيمة التي لا تغني ولاتسمن من جوع .. ومع الأسف الشديد أن هذا المنهج لا يزال يعيش في أوساطنا .. ويتغلغل في مجتمعاتنا .. بشكل كبير .. بل وبطريقة مركزة .. ونحن نسمع الكثير من الشعارات ترفع بين الفينة والأخرى ..
لا حوار مع الكفرة أصحاب البدع ..
أصحاب البدع مشركون ..
ابتعدوا عن أصحاب البدع ولا تخالطوهم ولا تجالسوهم .. ولا تسلموا عليهم .. ولا تأكلوا من ذبائحهم .
أصحاب البدع ملا حدة .. .... الخ وغيرها من الشعارات الكثيرة جدا والتي تبث بشكل كبير ومركز .. إلى درجة أننا نجد أفراد ينتمون إلى مجتمع واحد ولا يستطيع الفرد منهم أن يعرف عقيدة الآخر بشكل صحيح .. بل إذا سألته هل لديك كتاب واحد لهذه الفئة أو قرأت لهم شيء .. يرد عليك بسرعة البرق .. أعوذ بالله أن اقتني كتب أهل البدع والشرك والضلالة ..
وهذا الأمر لم يأت من فراغ .. بل جاء نتيجة إعلام كبير ومركز للقضاء على منطق الحوار ومنهج التعايش السلمي .. وقد نجح أيما نجاح .. ولا يزال إلى الآن يحصد الكثير من العقول وقد كون له شعبية كبيرة جدا .. تزداد يوما بعد يوما ضنا منهم أن هذا هو الطريق الصحيح والناجع ..
وهذه طامة كبرى يجب أن نتصدى لها جميعا بقوة .. كبيرة ... وهذا التصدي يجب أن يكون بالمنطق والحكمة .. والمنهج القويم .. وتبيان لهؤلاء العقول التي لا تريد أن تنظر ولا تريد أن تسمع إلا منطقها .. ومنهجها .. فأفكارها هي السليمة .. ومنهجها هو السوي .. وطريقها هو الذي لا تشوبه شائبة .. ومنطق غيرها ضلال .. وأفكار غيرها بدعة .. وطريق غيرها شرك .. فهذا أفق ضيق جدا بعيد كل البعد عن المنهج الإنساني والإسلامي ..
فالإسلام للجميع .. وكل يعمل على شاكلته المذهبية .. ولا ينبغي التعدي على طرق الآخرين بإخضاعهم بالقوة إلى ترك هذا الطريق أو منعهم لان ذلك حق من حقوقه المذهبية ..
فلكل مذهب من المذاهب الإسلامية حق مشروع لا ينبغي للآخرين التعدي عليه بأي صورة من الصور .. احتراما لهذا الحق واحتراما للقيم الإسلامية التي ندعي أننا جميعا نطبقها ..
فلا أحد يجيز لهذه الفئة أن تخترق النظم والقوانين العرفية والإنسانية والإسلامية .. لكي تفرض أفكارها ومبادئها على الجميع .. بالقوة .. أو بمنعهم من أداء حق من حقوقهم المذهبية ..
فالذي نراه في هذا الزمن .. أمر يبعث الأسى وأمر قد تعدى الخطوط الحمراء وهو أمر غير مقبول .. البتة .. لأننا ينبغي علينا جميعا أن نعرف أننا الآن في عصر العولمة .. وفي عصر التقنيات الحديثة .. والمعلومات السريعة .. فكيف يمنع إنسان من زيارة .. عالم .. أو إمام ... أو يمنع كتاب به مجموعة من الزيارات والأدعية الخاصة .. بحجة أن هذه الأمور مخالفة للشرع (يقصد طبعا مخالفة لمذهبه) ..
إلى أي مدى وصل بنا التفكير وإدراك الحقوق المذهبية .. ؟؟
متى نخرج من هذه الغفلة التي استولت على عقولنا ؟؟
متى نعلم أن العلم والعالم في اطراد مستمر .. ونحن لم نخرج من هذه القوقعة البالية التي سيطرت علينا جميعا ..؟؟
متى ندرك أن هذا الوطن يتسع للجميع .. وليس لفئة واحدة ؟؟
متى نعلم أنه لا يحق لأي فئة أن تفرض سيطرتها على الجميع مهما كان عذرها وأسبابها ؟؟
هناك حقوق مذهبية .. ولغة حوار .. وفكر يبحث ويحلل .. ويعرف أن العقل يرشدنا إلى احترام الجميع .. ولا يخول لنا أن نسيطر على هؤلاء بالقوة .. والقهر ..
سوف نبقى نصارع .. هذا التيار وما يحمله من ضبابية .. ربما يرجع في يوم من الأيام عن منهجه ليعرف أن الحقوق المذهبية فوق الجميع .. ولا يحق لأحد أن يتعدى عليها بأي حال من الأحوال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق