يتكرر ذهابي لمسقط لبعض الأعمال، واكتشف أننا نكن شغفاً خاصاً بهذه الحلوى بالذات. في الصغر كنت أسمع أنه يخالط هذه الحلوى سحر، أي ليس بوسع من لا يملك قدرات غير طبيعية، أي أن يكون ساحراً، أن يقوم بصنع الحلوى العمانية. في رحلتي الأخيرة ذهبت لأبتاع بعض الحلوى، وكنت قاصداً المحل المعتاد، لكن مرافقي أشار علي أن أجرب «الصبي الجديد في الحارة»، عبارة عن مصنع للحلوى بدأ مؤخراً. وبالفعل قصدته لأجد أني أمام «باتشي» أكثر من مجرد محل لبيع الحلوى. حقيقة، المحل أبسط كثيراً من محلات الشكولا، لكنه يبدو أنه يسير على نهجها، من حيث جلبه للفخاريات والأوعية الأنيقة. لكنه تفوق عليها في كرمه، فهو يعرض أنواعاً كثيرة من الحلوى في صحون أنيقة، بجانبها «ترمس» القهوة العربية، وجميع من يعمل يصر على ضيافتك، وكأن مهمتهم أن تتذوق الحلوى وليس أن تبتاعها!
تحدثت مع الشاب المواطن الذي يعمل، وأخبرني أنهم يتلقون طلبات من كل مكان ويرسلونها بالبريد المخصوص. لا أعرف لماذا خطر ببالي أمازون، الذي أحدث ثورة في بيع الكتب، بأن جعل الكتاب يأتي إليك منهياً بذلك ما درج القراء في شتى أنحاء العالم على فعله، بان يذهبوا للمكتبات لتفحص الكتب ثم شراء ما يروق لهم. فأمازون أطلق موقعاً الكترونياً عبر الانترنت، وأتاح للمهتم أن يستعرض الكتب عن بعد ويشتريها عن بعد، ثم ما تلبث أن تأتيه سريعاً عبر البريد المخصوص. كان هناك من يعتقد أن أمازون لن يذهب بعيداً في تأثيره على تجارة الكتب في العالم، لكنه أثر.
شخصياً، أجد أن أصحاب المشاريع الصغيرة والناشئة بأفكارها الكبيرة بوسعهم أن يحدثوا فرقاً، حتى في أسواق تقليدية وسلع تقليدية، مثل الحلوى العمانية. فكون الحلوى تأتي طازجة من عمان مباشرة إلى المائدة سيعني الكثير للمتعاطين لهذا النوع من الحلوى. وليس هذا حكراً على سلعة معينة لكن هناك سرا معلنا لا بد من إتباعه للانطلاق والتوسع. فأمازون، والعديد من المشاريع الشبيهة التي نجحت، يكمن سر نجاحها في أنها تحررت من محليتها ولكن دون أن تتحرر، بمعنى أنها بنت منظومة لوجستية تمكنها من تلقي الطلبات وتلبيتها في أي مكان في العالم.
ما لفت انتباهي في حديثي مع البائع في محل الحلوى، أن أسلوب البيع مختلف لا سيما في الحرص لكسب الزبون واقناعه بأنه أمام منتج مميز، واستعداد المحل حتى لا يقع فريسة لتقييدات بأن يرسل الحلوى لأي مكان تختاره. لنتمعن قليلاً في الأمر، لعل منشآتنا الصغيرة والناشئة سيكون بوسعها تحقيق نجاحات كبيرة في حال توفر منتج مميز عالي الجودة وامتلاك مهارات البيع والاقناع، وتوفر منظومة لوجستية لتنقل المنتجات للزبائن بكفاءة عالية من حيث الوقت والتكلفة.
السؤال: هل بإمكان المنشآت الصغيرة أن تؤسس منظومة لوجستية؟ لا. إذا كيف بوسعها أن تنطلق للعالمية، أو اقليمياً لما وراء الحدود، أو حتى أن تسوق بضائعها في طول المملكة وعرضها؟ لدينا البريد السعودي، فهل نستغله الاستغلال الأمثل؟ أم أن كلا منا يحافظ على مسافة بعيداً عن هذه المؤسسة باعتبار أن تخصصها تأجير الصناديق وتلقي وتوزيع إرساليات البريد؟ بوسع البريد السعودي أن يكون المنظومة اللوجستية الحاضنة للعديد من المنشآت الصغيرة والناشئة في المملكة وفي دول مجلس التعاون ليساهم في أخذها لآفاق أبعد. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اتفاقات يعقدها البريد السعودي مع هذه المنشآت ليمنحها خصومات وليوفر لها إمكانات التخزين المتخصص والنقل الملائم بتكلفة منافسة. قد يقول أحدكم: ليس بوسع البريد السعودي منافسة شركات النقل الصغيرة والمنتشرة في أنحاء المملكة، والتي تنقل الطرود بريالات قليلة وبتسليم في نفس النهار. هذه نقطة وجيهة لا شك، لكن ما يمكن أن يقدمه البريد السعودي لمنشآتنا الصغيرة يتجاوز النقل إلى توفير منظومة لوجستية متكاملة، كل ما يتطلبه الأمر هيكلة نموذج أعمال يتلاءم مع احتياجات وإمكانات المنشآت الصغيرة، ويتواءم مع ما تتطلع لتحقيقه، فالأمر بالنسبة لها أكبر من مجرد نقل البضاعة بل توفير أسباب لتصبح مشاريعنا الصغيرة عملاقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق