نحن بحاجة لسياسة لاستخدام الأراضي، وبحاجة كذلك لقانون (نظام) للانتفاع بها، يبين حقوق المالك وحقوق المجتمع (الصالح العام)، ويتضمن عقوبات ويمنح السلطة التنفيذية صلاحية منح حوافز مالية وإجرائية لإدارة سياسة استخدام الأراضي إدارة حاذقة، تقوم على الموازنة بين المصالح، وتغلب مصالح المجتمع لتردع التعسف والجشع.
كذلك، نحن بحاجة لتصحيح المفاهيم فيما يخص حقوق مالك الأرض، فهل يحق لمالك الأرض المخصصة للسكن أن يقيم عليها مصنعاً؟ لا، وهل يحق لمالك الأرض أن يقيم مزرعة في قطعة سكنية؟ طبعاً ليس من حقه. إذا، لماذا من حق مالك الأرض أن يحتفظ بها دهراً دون أن يستخدمها؟ ولماذا تعامل الملكيات التي في المناطق المعتمدة مخططاتها وكأنها بقع في الصحراء بحاجة لإحياء! بمعنى لماذا عندما يمتلك أحدنا قطعة أرض مخصصة للسكن فمن حقه أن يحتفظ بتلك الملكية للأبد حتى لو قرر لسبب وجيه أو غير وجيه ألا يبنيها؟ بالتأكيد، سيتلفت ملاك الأراضي البيضاء مستهجنين مثل هذا الطرح، تماماً كما استهجن عدم استغلالهم لأراضٍ امتلكوها لسنوات طويلة دون أن يخطر ببالهم أن عليهم أن يعرضوها للبيع أو يستثمروها. ولم يخطر ببالهم ذلك رغم أن النطاقات العمرانية تتمدد وفقاً لبرنامج زمني، ولذلك تجد آلافاً مؤلفة من قطع الأراضي في وسط المدن بيضاء، رغم أن عمر الصك الذي صدرت به عقود وتاريخ المخطط الحضري الذي ينظم استخدامها لا يقل عن ذلك.
هذا أمر لا بد من تداركه، فالجميع يعاني نتيجة لندرة موهومة، ما الفرق بين من يحبس قطعة أرض وتاجر يحبس أطناناً من الأرز عن المستهلكين؟! شخصياً لا أرى فرقاً، بل انه في حالة الأرض، فالمالك عليه مسئولية محددة هي أن يستخدم الأرض لما خصصت له خلال فترة زمنية محددة، خلال خمس سنوات مثلاً. هذا أمر معمول به على نطاق واسع في بلدان العالم؛ لماذا لا تجد فراغات عندما يتمشى أحد منا في باريس أو لندن أو حتى شنغهاي وهونج كونج؟ ليس مصادفة، فهناك قانون يحتم على المالك أن يستغل الترخيص وإلا فقد حقه في استخدام الأرض. بل العديد من البلديات ضمن تلك الدول تسعى لتعبئة فراغات الأراضي بكفاءة وليس كما اتفق؛ بمعنى أنها تتدخل لهدم المباني المهجورة أو غير المكتملة أو المشوهة للمشهد العام. وهذا يعني، أن دور الأمانات والبلديات لا ينتهي عند فرز المخطط، بل عليها أن تتابع الملاك متابعة حثيثة لتطوير ما يملكون من أراضٍ. وفي هذا السياق، فلا بد من وضع سقف زمني يكون على المالك خلاله أن يحصل على التراخيص والموافقات، وسقف زمني لتطوير الأرض من خلال تشييد المباني. أما أن نستمر في الوضع الحالي، أن تقرّ المخططات وتمدّ لها البنية التحتية ثم يقرر كل مالك متى سيطورها فهذا أمر ليس فيه انصاف للمجتمع. ولا أقترح هنا عقاباً بل لعلنا بحاجة لتحفيز الملاك بشتى الوسائل والطرق ليشيدوا الأراضي التي يملكونها إما لاستخدامهم الشخصي أو لاستثمارها بصورة أو بأخرى، ولا بأس أن تنسق الأمانات والبلديات مع صندوق التنمية العقارية؛ لتنشيط الشق الاستثماري بما يدفع الملاك لتطوير ما يملكون من أراضٍ بتمويل طويل المدى من صندوق التنمية العقارية.
ويمكن الجدل أن توفير قنوات تمويلية لتطوير الأراضي البيضاء ضمن النطاقات العمرانية فيه فائدة للأطراف كافة، والأهم أنه سيزيد من المعروض من المساكن وسواها سواء للبيع أو للايجار بما يخفف الضغوط التضخمية الناتجة عن ندرة المساكن من جهة، فضلاً عن أنه يتيح وحدات سكنية للبيع بوسع من يرغب أن يتملكها. لكن كل ما تقدم يقوم على شرط، ألا يظن أحد أن استخدامه واستثماره للأرض حق خالص له لا يشاركه فيه أحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق