الأحد، 30 مارس 2014

الشيخ عبد الله النمر:التشيّع ليست حالة وراثية ومنحة مجانية بل تحتاج إلى تثبيت

قال الشيخ عبد الله النمر أنّ الموالاة لأهل البيت (ع) ليست حالة وراثية، مبيناً أن بعض الروايات تدقّ ناقوس الخطر، وتدعوا إلى الحفاظ على الإيمان وزراعته وبنائه بناءا قويا، "فهذا الإيمان لا يوهب اعتباطا، وهذا العطاء ليس إعتباطا، فأنت تمنح والآخر يمنع، فهذه الأمور ضمن الحكمة والقوانين الإلهية".

وابتدأ سماحته الخطبة تاليا الآية الكريمة ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وبين سماحته في البدء أنّ العلماء يقسمون العلوم إلى علم أبدان وعلم أديان، وأنّ علم الأبدان هو ما يساهم في المحافظة على البدن من الطبّ والهندسة وغيره من العلوم، كالتي تهيئ المكان، ولعل منه أيضا بعض فروع الفقه التي تسمى الفقه الأصغر التي تنظم النظافة والنكاح والزواج والبيع والشراء وبقية الأمور المرتبطة بالبدن أكثر من الروح، وإن كان هناك تداخل وحالة تواشجية بحيث يصعب وضع حدّ فاصل، فالعقل والقلب السليم في البدن السليم.

وأضاف: ولكن هناك هناك تخصصات في كل جهة، فهناك أمور تصب أولا وبالذات في الروح، وهذا ما يطلق عليه بالمسائل العقائدية، وهي تُعَالَج من خلال الآيات والروايات، ولكن لكي نتعاطى معها نحتاج إلى عقول ناضجة وقلوب صحيحة سليمة، أما إذا كان هناك إعوجاج في الروح والفهم فلا تفيد هذه المعالجات، وكذلك إذا ما كان هناك خضوع للأهواء والشهوات.

· الإيمان الإرادي

وبيّن سماحته أن هذه الآية هي جزء من آية الكرسي وهي من أشرف الآيات القرآنية، وكثيرا من الأحيان تستخدم في التدليل على المنع عن الإكراه في الدين، في حين أنّ الآية ليست بهذا الصدد، فالمعنى أنه في الواقع لا يمكن الإكراه، "لا" هنا تسمى نافيةٌ، والآية التي بعدها تبين (قد تبيين الرشد من الغي)، بمعنى أنه لا سبيل لأحد على أحد لأن يكرهه فيما يعتقده في أعماقه، نعم نستطيع عن طريق العنف أن نجبره على أن يسلك مسلكا معينا، ولكن لو اجتمع الإنس والجن لكي يوقعوا في قلب إمرء حب أمر لا يحبه فلن يتمكنوا، كما أنّهم لو أرادوا أن يمنعوا عن قلبه تعلقا وحبا لما اهتدوا إلى ذلك سبيلا.

وأوضح سماحته أنّ دين الفرد هو من يخلقه ويبنيه ويحققه في نفسه، ويحتاج منه إلى جهد وعمل، صورة الإيمان في أذهاننا مجملة تحتاج إلى تفكيك وتفصيل، وهذا شبيه بكل ما يرتبط بذلك من مقامات الإيمان، والفرق بين الإيمان والإسلام.

· تفاوت الإيمان

وهذا ما نريد توضيحه عبر عدد من النقاط، مستثمرين الآيات والروايات الواردة عن أهل البيت (ع) الذين هم أقدر الناس على إدارك هذه المعاني ومن خلالهم اهتدينا إلى هذه الأمور:

1- يوضح الصادق (ع): أن الإيمان ليس نقطة إما أن يوجد أو لا يوجد، وإنما هي قضية "مشككة" حسب الإصطلاح المنطقي، أي أنه أمر له مراتب ، هناك إيمان وهناك مرتبة أرقى من الإيمان وهناك مستوى أرفع من الإيمان، يقول (ع): "إن الله تعالى وضع الإيمان على سبعة أسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم، ثم قسم هذا بين الناس". فمن الناس فمن يحظى على سمهم أو اثنين أو أكثر ومنهم من لا يحصل على شيء، بل هناك رواية تعرض تقسيم أكثر.

وعن الصادق (ع): " لو علم الناس كيف خلق الله تعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحداً، قال الراوي فقلت: أصلحك الله وكيف ذلك؟ قال (ع): إن الله تعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءا ثم جعل الأجزاء أعشاراً، فجعل الجزء عشرة أعشار، ثم قسمه بين الخلق".

ونوّه سماحته إلى أنّ إختلاف الأرقام بين الروايات بحسب الغرض من الرواية. وهي تقسيمة شاملة لكل شيء من المال والذكاء والإيمان، مؤكداً على أنّ التدبيرات الإلهية تعني أن كل ما يجري تحت الهيمنة الربانية ولكنه لا تعني الجبر وسلب إرادة الإنسان، وليست تقسيمات اعتباطية فللإنسان قابلية واستعداد وعمل و دور.

· مدّ وجزر

2- هذه الأمور ليست أمر تصاعديا دائما، هناك مد وجزر. فعن الصادق (ع) ، وهو كشّاف الحقائق العارف بتفاصيل دقائق حركة الإنسان : "إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمنا، فقوم يعارون الإيمان ثم يسلبونه، ويسمون المعارَين" ويسمى في الروايات إيمانا معاراً. هذه القضية قد تبدو بدهية ولكنها كانت في يوم من الأيام محل جدال.

هناك حركة، هؤلاء أعطوا الإيمان ولكن لم يتشبثوا به، وهذا رد على من يظن أن الولاية لأهل البيت (ع) حالة وراثية، هذه الرواية تدق ناقوس الخطر، وتدعوا إلى الحفاظ على الإيمان وزراعته وبناءا بناءا قويا، هذا الإيمان لا يوهب اعتباطا، هذا العطاء ليس إعتباطا، فأنت تمنح والآخر يمنع، فهو ضمن الحكمة الإلهية (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ).

3- هذه الأمور في أصل إثبات الإيمان يدور في مدار الحركة الروحية للإنسان.

هذه الأمور في أصل درجات الإيمان وثبوت الإيمان وزواله هي أمور تدور مدار الحركة الروحية للإنسان، عن الرسول (ص) إنما أخاف على أمتي اثنتين: اتباع الهوا وطول الأمل، فأما أتباع الهوا فإنه يصدّ على الحق، وأما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة".

ليس المقصود اتباع الهوى في موقف معين، اتباع الهوى هو صبغة عامة لحياة الفرد السالك وليست حركة طارئة، وهناك آخرون يتحركون في حياتهم ضمن مواجهة دوافع الهوى.

· درجات الكفر

الكفر لا يعني أن نسجد للبقر أو الأصنام، سئل الباقر (ع) عن أدنى ما يكون به العبد مشركا فقال: " من قال للنواة أنها حصاة، وللحصاة أنها نواة ثمّ دان به". أن تجعل أهواءك ورغباتك وتحزباتك معيار الحقّ عندك، بغض النظر عن أنها حصاة وتقول عنها نواة.

أدنى النصب. عن الباقر (ع) :"أن يبتدع الرجل شيئا فيحبّ عليه ويبغض عليه". النصب نوع من الكفر، وهو جعل ما تخلقه بنفسه معيارا للحق والباطل، الإيمان أن لا تتعصب، هي قضية، هناك من يقصد الباطل ويتفق أن يقع في الحق. نشكر الله تعالى أن يقينا الوقوع في مزالق الكفر والإلحاد.

ليست هناك تعليقات: