الثلاثاء، 25 مارس 2014

علاقة الجزء بالكل أم علاقة الاتحاد.. علاقة الوالد بما ولد

جاء في وصية مولانا أمير المؤمنين لامامنا الحسن  ابنه الأكبر: «ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كان شيئا إذا أصاب أصابني فعناني من أمرك ما عناني، وإنما قلب الحدث الأرض الخالية ما ألقي فيها من شئ قبلته» صدق مولانا أمير المؤمنين .
أود ان اتحدث عن هذا المقطع الشريف متطرقا لمطالب ثلاثة يمكن أن تستفاد منه. ومطلبان من هذه المطالب الثلاثة تبينان طبيعة علاقة الابن بأبيه، وعلاقة الأب بابنه.
المطلب الاول:
علاقة الجزء بالكل، وعلاقة الكل بالجزء:
ان هذه العلاقة القائمة بين الطرفين هي علاقة الجزء بالكل، والكل بالجزء. لذلك يقول امير المؤمنين  «ووجدتك بعضي». جزئية الولد للوالدين ناشئة من ان وجود الولد متوقف على وجود الوالدين، وكونهما على علاقة خاصة. القران الكريم يعبر عن هذا المطلب بان الله سبحانه وتعالى جعل اصل الانسان ﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ﴾ (المرسلات، 20). الماء الذي يراق في الارحام هو اصل هذا الانسان، وهذا الماء من الرجل ويستقر في المرأة ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ﴾ (الواقعة، 58). فالمرأة مستقر والوالد يريق ويمني.
لذلك هناك علاقة ثلاثية الاطراف تجمع الوالدين بالولد. هذه العلاقة تتجسد في الاولاد وقول العرب: «اولادنا فلِذات اكبادنا» ليس على نحو المجاز وانما حقيقة كما يقولون. الولد قطعة من الوالد تمشي على الارض والوالد يجسد هذه العلاقة. الولد هو عبارة عن الابوين مع ذاته وان كانت هذه الاطراف الثلاثة مجموعة في بنية واحدة. لذلك لا يصح ان يعتزل الانسان امرا ابناءه ويلقي المسؤولية كلها على الاولاد. لان كل ما يمس الولد يمس الاب، والام بدرجة من الدرجات.
المطلب الثاني:
علاقة الوحدة:
ويترقى الامام  في هذا المقطع ليجعل هذه العلاقة اشد من علاقة الجزء والكل، وهي علاقة الوحدة. الامام  يجعل هذه العلاقة علاقة الوحدة وان هناك اتحاد بين الاب وابنه، وبين الام وابنها، وبين الوالد وما ولد. وهذه الدرجة ارقى واشد وافضل واكمل من علاقة الجزء والكل.
الكل له وجود، والجزء له وجود، وبين هذين الوجودين ارتباط. واما علاقة الكل بالكل «بل وجدتك كلي» فهي بدل على ان وجود امير المؤمنين كوالد بما هو منسوب الي امير المؤمنين  قائم في الحسن . ليس لان وجود الحسن  وجود اخر، بل هو وجود امير المؤمنين . اذا نظرنا اليه من زواية خاصة وفي هذا السياق يأتي قول امير المؤمنين : «ان الولد يمثل بالنسبة الا الاب احد العدوين». و ذلك لان اعداء الانسان نفسه التي بين جنبيه، وهذا الكلام يصدق على نفس الانسان، يصدق على ولده كما يقول جلا وعلا: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ﴾ (التغابن، 14). وكما ورد في بعض الروايات: «وانما الاولاد فتنة».
لان حال الوالد حال نفس الانسان، حكم الولد حكم نفس الانسان لا يزيد عليها ولا ينقص. لذلك يقول امير المؤمنين : «بل وجدتك كلي» يترقى في تلك العلاقة الي درجة ارقى، علاقة الوحدة. وهناك اتحاد بين الوالد وما ولد. يقول امير المؤمنين في هذا السياق ايضا: «الولد اجمل الذكرين» كما ان الانسان يذكر بعد مماته باعماله الصالحة، وبشاشته، وحسن اخلاقه، وسعة صدره، وحسن تعامله مع الاخرين.
الوالد يذكر ايضا باولاده الصالحين، اذا ترك الانسان وخلف وراءه ابناء صالحين. كان الثناء على الاولاد موجب لذكر الاب بالثناء الصالح الحسن. فامير المؤمنين  يقول الولد الصالح خير من الاعمال الصلاحة، وهو اجمل الذكرين. ان كان للانسان ذكر بعد وفاته يشتمل على اعماله وخيراته ومبراته وغير ذلك. فاجمل من ذلك ذكر ولده بالصلاح.
واهل البيت يعبرون عن هذا بان الانسان اذا تزوج ورزقه الله عز وجل ولدا موحدا ثقل الارض بلا اله الا الله. بمعنى ان الوالد والوالدة يوجدان ثقلا وهذا الثقل هو قول لا اله الا الله الذي لم يوضع في الميزان شئ اثقل منه.
فهناك علاقة وحدة. هذه العلاقة احسن ما يمكن ان تبين به هو ان الولد استمرار للاب شاء الاب ام لم يشاء. ان كان صالحا فالاستمرار على منهج الصلاح والسداد، وان كان فاسدا فالاستمرار على منهج الفساد والغي نعوذ بالله تعالى من ذلك.
ماذا يترتب على هذا المعنى؟:
يقول امير المؤمنين  «فعناني من امرك ما عناني» كما ان الانسان مسؤول عن نفسه ومطالب باصلاح نفسه وحياطتها وتجنيبها الهفوات والمعاصي والاثام وغير ذلك، هو مطالب بنفس القدر ان يحو ط ابناءه بما يوجب تجنيبهم المعاصي والاثام.
المنهج الابراهيم:
﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾(إبراهيم،35). ﴿قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ (البقرة،124). هذا المنهج الابراهيمي في اشراك الذرية في كل خير يطلبه الانسان لنفسه. ما طلب ابراهيم  خير الا واشرك ابناءه، وما استعاذ من شر الا واشرك ابناءه في تلك الاستعاذة. هذه النظرة ناشئة من ان ابراهيم  كانت نظرته واسعة الافق.
ليس وجود الانسان محصورا في بنيته الجسدية فقط، ولا محصورة في مدته الزمنية التي تحد بالولادة وتنتهي بالوفاة. الانسان ما خُلق ليفنى، لا يفنى في الدنيا الا بقناء الدنيا، ان كان ذوي من ذوي الاعقاب. ولا يفنى في الاخرة لان الله عز وجل كتب له الحياة الابدية في الجنة او في النار.
فعلى من خلف الذرية ان يفكر بشكل جدي في اصلاح امر ابناءه، لان امر ابناءه هو امره هو. «فعناني من امرك ما عناني حتى كان شيئا اصابك اصابني» امير المؤمنين  لا يقول انني اهتم واحزن واتألم لك، وانما يقول ما يصيبك يصيبني. والتعبير بقوله «كأن» ليس من باب التشبيه والتجوز بل من باب ضعف العقول عن ادراك حقيقة الارتباط بين الابن وابنه، وبين الام وابنها. لان الناس لا يدركون كيف يتأثر الوالد بالولد، قال امير المؤمنين  «حتى كأن» ولكن في الواقع «أن» وليس «كأن».
وفي الواقع امير المؤمنين  اذا اصاب ابناءه شئ اصابه هو صلوات الله وسلامه عليه. لذلك وردت عندنا روايات كثيرة ان رسول الله  كان يقون بين سلمه وسلم اهل البيت : «يا علي سلمك سلمي وحربك حربي» و «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني» كل هذا قائم على اساس العلقة الموجودة بين الوالد وولده. غاية الامر ان هذه العلقة بامير المؤمنين  ورسول الله  كانت تتجلى بالدرجة العالية، لكن القانون واحد. ما يصيب الولد يصيب الوالد شاء الوالد او لم يشاء.
المطلب الثالث:
الزراعة في قلب الحدث:
ماذا يترتب على علاقة الجزء بالكل وعلاقة الوحدة؟ يترتب «عناني من شأنك ما عناني» هنا يشير امير المؤمنين  الي حقيقة تفرض على الوالد ان يأخذ زمام المبادرة ويتبع منهجا وقائيا يقيه من كل ما قد يؤذيه في اولاده. قال امير المؤمنين «وانما قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها من شئ قبلته».
المزارعون يعرفون ان الارض اذا زرع فيها جنس من المحصولات الزراعية لم يمكن ان يزرع فيها جنس اخر الا بقلب التربة وحراثتها واعادة تسميدها، هذا امر متبع ومنهج معروف. اذا زرع في الارض الطماطم مثلا، لم يصح ان يزرع فيها التين الا بعد قلب التربة. لماذا؟ لان التربة تكتسب من البذرة المبذورة خصوصيات فيزيائية معينة توجب ان لا تتقبل التربة بذرة جنس اخر الا بعملية اعداد جديدة.
امير المؤمنين  يطبق هذا القانون على الولد الصغير والبنت الصغيرة. قلب الحدث كالارض الخالية، والاحداث لا يعنينا منهم صغر اجسامهم، ولا صغر سنهم، بل يعنينا منهم قلوبهم. نحن نتعامل في هذه الفترة مع افكار، وتوجهات،و تيارات، واطروحات، وثقافات معينة لا يجوز ان نترك اولادنا لكل فكرة شاردة او واردة.
لا يجوز ان نهمل ابناءنا ليستقبلوا كل ثقافة، ولا يجوز ان نترك ابناءنا يتشبهون بكل رمز، او يتلبسون بكل شعار. هؤلاء الاولاد اذا اكتسبوا ثقافة ما، او حملوا فكرة، او اعتقدوا رأيا خاصا صعب علينا فيما بعد ان نعالج تلك الفكرة، او الرأي، او ذلك الشعار ان لم يكن موافقا لما يجب على الانسان ان يعتقد به، ويتلبس به.
«قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها من شئ قبلته». هذه السن سن حرجة، سن حساسة، سن مرهفة، الانسان يستقبل فيها كل ما يتعامل به بحواسه الخمسة ويدركه بافكاره ولو استنادا على معطيات ومعلومات خاصة.
الان يواجه الناس التيارات والثقافات والافكاك المختلفة عبر اكثر من قناة. حيث كان في ما مضى هناك قناة واحدة لتداول الافكار هي المجالس والكتب. فيمكن للانسان ان يمنع ابنه من حضور هذا المجلس، او قراءة ذلك الكتاب. لكن حياتنا اليوم اعند على التعامل مع قنوات ثقافية وفكرية لا يمكن ان نتنكر لها، ولا يمكن ان نحد من تعامل ابنائنا معها الا بشكل مقنن وموزون.
من منا اليوم يستغني عن وجود التلفاز في بيته؟ من منا يستطيع ان يمنع ابنه من استعمال الانترنت؟ من منا يستطيع ان يمنع ابنه من ان يشاهد الرسوم المتحركة؟ من منا يستطيع ان يمنع ابنه من ان يلعب الالعاب الالكترونية – بلاي ستيشن- ؟ من منا يستطيع ان يمنع ابنه من ان يلعب مع الاولاد في ملعب الحي؟
لكن كلنا نستطيع ان نراقب ابناءنا اذا لعبوا البلاي ستيشن، أي لعبة يختارون. كلنا نستطيع ان يجعل له مع ابناءه جلسة عائلية مرة في اليوم يتداول فيها مع ابناءه اراءهم وافكارهم بشكل عفوي وبشكل يتيح لهم ان يعبروا عن مكنون صدورهم بدون ان يمارس سلطة استبدادية. هو - أي الولد- لن يتخذ هذا الاسلوب الا لتنفيس ما في صدره من حقد على هذه السلطة التي يراها في الخارج. هو يعيش استبداد في الخارج، وفي الدراسة، والشارع، وفي الحي واذا به يدخل البيت ويجد ايضا نفس السلطة تمارس عليه، هذا خطأ.
الله عز وجل جعل في البيت مودة ورحمة. هذه المودة والرحمة اذا استغلتا كانتا افضل الابواب للدخول على نفس الولد وغسل ما يرين على قلبه مما يشاهد في التلفاز او يتأثر به في البلاي ستيشن او الانترنت او ما يعلق به من الملعب او يتأثر به بمصاحبة اصدقاءه.
متابعة فعاليات الانشطة الصيفية:
الان هناك جهات تتكفل مشكورة بالانشطة الصيفية الصادقة، ويستفيد منها ابناءنا الاستفادة الجيدة. لكن يجب علينا:
• اولا:ان نتعامل بايجاب مع هذه الانشطة بحث اولادنا على التسجيل فيها ومتابعة ما يتلقون فيها من انشطة وتشجيعهم على كل نشاط ايجابي يمرون به في تلك الدورات.
• والامر الثاني: ان هذه الانشطة لا تلقي عنا المسؤولية التي يحاجنا الله سبحانه وتعالى عليها حيث يقول سبحانه:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم،6). لا يكفي الوالد ان يلقي المسؤولية على عاتق الام لتتابع امر تسجيل ابناءها في الدوارت الصيفية، ولا يكفي الوالد ان يحتج بان فلان المسؤول عن تلك الانشطة هو ثقة من النا س فاعطية ابني بدون مراجعة ومتابعة.
تحتاج المسالة منا الي ان يتابع الواحد منا ابناءه بالمتابعة الحثيثة اليومية.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوزعنا شكر نعمه،وان يصلح في ذرياتنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد واله الطاهرين.

ليست هناك تعليقات: