الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

الاستراتيجية الجديدة لأوبك: «العوض ولا الحريمة»

أعود لما سبق أن ذكرته هنا ألا أساس لقناعة البعض أن انخفاض أسعار النفط المعاش ناتجٌ عن «ترتيبات» سياسية لمحاربة أو «مناكفة» دول أخرى، ولست في موقع لإثبات غير المثبت مما هو قائم على «أحاسيس» وتخرصات.
أما ما تقوله بيانات السوق، فهو يفصح عن أن السوق النفطية خرجت من سطوة «أوبك» كما سبق أن خرجت من سطوة شركات النفط العملاقة، وهي في طريقها لتصبح مؤهلة لتنضم للسلوك الطبيعي لبقية السلع، أي يخضع سعرها للعرض وللطلب، ولا يعني هذا انتفاء التأثير السياسي لدولةٍ أو لدولٍ أو للتأثير الجيوسياسي لأحداث إقليمية، فالتأثير السياسي لم يغب أبداً، لكن هناك من يتحدث عن أن الترتيبات السياسية هي ذات تأثير طاغٍ على سعر النفط، وأقول إن هذا كان في الماضي.

وللعلم، فإن القهوة والشاي والبتروكيماويات السلعية والألمونيوم والنحاس وحتى فول الصويا وزيت الذرة وعصير البرتقال، وهي سلع تتداول في الأسواق العالمية ولها بورصات متخصصة، كلها تتأثر بصورة أو بأخرى بعوامل سياسية، لكنها تستوعب في قوى العرض والطلب في نهاية المطاف ولا تتحكم فيها.

وتتفاوت ضمن «أوبك» توجهات الدول، فثمة دول تنتهج أسلوباً «صفقاتياً» «من صَفقة» قصير المدى يرتكز إلى السعي للتأثير على السعر ارتفاعاً، ولا تثريب على هؤلاء سوى أن هذه المدرسة لم تَعدّ مؤثرة لأربعة أسباب رئيسية: وجود فائض كبير في السوق، وتوفر نفط بأسعار بخسة من مناطق النزاع، وتنافس دول أوبك على الحصص، وتزايد قوة المنتجين خارج أوبك ولاسيما من الدول الصناعية وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية.

وهناك دول ضمن «أوبك» تنتهج أسلوباً استراتيجياً يرتكز إلى التأثير عبر الحفاظ على استقرار السوق واعتمادية الامدادات، وبالقطع لا تمانع هذه الدول أن يرتفع السعر بل تسعى إليه بأسلوب مختلف، يقوم على بناء علاقات وثيقة مع المستهلكين. ومع مرور الوقت، ثبت تفوق تأثير النهج الاستراتيجي في طمأنة الزبائن أن الحفاظ على استقرار اقتصاداتهم عبر توفير الامدادات ليس محل مزايدة أو تفاوض، ولذلك نجد أن هذا النهج قد أقنع دولة متحوطة لدرجة الوسواس أن تعتمد في تأمين نحو ثلث وارداتها النفطية على السعودية.

وعلى الرغم من أن مَدرسة «الصفقة» تقول إن النفط سلعة استراتيجية لكنها لا تتعامل معها باتساق مع ذلك المنطلق؛ فهي ليس لها زبائن دائمون يعتمدون عليها لتوفير احتياجاتهم من الطاقة، بل تسعى لبيع ما لديها في عرض البحر أو البورصات أو لوسطاء، بمعنى أن ليس مهماً لها من يشتري، بل مَن يَدفع.

ولا أعيب هذا النهج من حيث المبدأ، لكنه في جوهره يقوم على منطق «جود السوق ولا جود البضاعة»، وهو منطق يمكن أن يعمل في الاتجاه المضاد كذلك، فالمنافس الشرس والمباشر لتيار «الصفقة» هم تجار النفط الجدد ممن استولوا عليه في مناطق النزاع العربية، مثل سوريا والعراق وليبيا، ويعرضوه بأسعارٍ بخسةٍ على السماسرة ليجد طريقه في نهاية المطاف لأسواق الاستهلاك! ومع ذلك، فأصحاب مدرسة «الصفقة» ضمن «أوبك» عاشوا فترة إنكار ولم يستوعبوا سريعاً فداحة التغييرات في السوق، وهذا ما يبرر أنشطتهم المحمومة قبل انعقاد اجتماع «أوبك» الأخير في نوفمبر.

ومع قبول أتباع مدرسة «الصفقة» ضمن «أوبك» بعدم مس سقف الإنتاج والحفاظ على الحصص، يصبح من المقبول القول إنهم أدركوا أخيراً سلامة منطق «العوض ولا الحريمة» «أو العوض ولا القطيعة»، بأنهم إن خفضوا الكميات فسيخسرون السوق لوجود من ينافسهم على الزبائن، وهكذا قبلوا.

ليست هناك تعليقات: