الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

مَن «رَمَش» أولاً أوبك أم الوكالة؟

لم تؤسس «أوبك» لتكون منظمة تتعامل مع ردة أفعال الطلب، فترفع الكميات وتخفضها ثم ينفض الاجتماع، بل أُسست لتحقيق أهداف استراتيجية لابد من النهوض بها إن كانت «أوبك» تريد البقاء، وهذه الأهداف تتمحور حول أسعار مستقرة وعوائد مجزية مقابل الاستثمار في قطاع النفط، بما يؤدي إلى استقرار السوق العالمية دون انتكاسات ناتجة عن ارتفاعات مفاجئة أو انخفاضات متسارعة.

وهذا الاستقرار للسوق يعني فقط إدارة العرض استراتيجياً، بل السعي لإدارة العرض والطلب بصورة متسقة، وهذا لن يحدث دون تنسيق، فهو يتطلب حواراً بين الدول المستهلكة والمنتجة، يفضي لوضع سياسات متوائمة توازن بين مصالح الجانبين المتعارضة، وتبعد مواجهات «كَسر العظم». لكن «أوبك» وعبر تاريخها تعرضت لتجارب «كسر عظم» عدة، بعضها كان عنيفاً أدى لكسور مضاعفة ومركبة، منها انهيار الأسعار في العام 1986 على سبيل المثال لا الحصر، وأخرى انتهت برضوض متفرقة وهذه كثيرة لم تخل منها قط ساحة تجارة النفط العالمية.

مما يدلل أن تنسيقاً لم يحدث بدايةً بين الطرفين «أوبك والمستهلكين الرئيسيين»، فقد نظرت الدول المستهلكة الرئيسة، وتحديداً الصناعية، ومن خلفها شركات النفط العملاقة لنشوء أوبك باعتباره عملاً شائناً، ليس فقط لأنه سيؤدي لرفع أسعار النفط بل لما سيعنيه من قوة تفاوضية هائلة للمنظمة الوليدة، وهذا بالفعل ما كان؛ ارتفعت الأسعار وأصبحت «أوبك» الكيان الوحيد التابع للعالم النامي المرهوب الجانب، ويمكن القول ان الاقتصادات الصناعية وقفت حائرة أمام «أوبك»، وبعد المقاطعة النفطية في العام 1973 وجدت تلك الاقتصادات «من خلال منظمتها النافذة، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD» أنها عليها إيجاد منظمة لمجابهة أوبك، ولكن بإطار أوسع، فأطلقت في العام 1974 وكالة الطاقة الدولية «IEA».

لم تُضِع وكالة الطاقة الدولية كثير وقت في ترجمة استراتيجيتها إلى مبادرات وخطوات تنفيذية ألحقت بها برامج، ولعل أنجح تلك المبادرات على الاطلاق برنامج إدارة الطلب، وما ولده من: أبحاث، وبراءات اختراع، وسياسات وإجراءات ترشيد الطاقة والرفع من كفاءة استخدامها والبحث المستديم عن بدائلها المتأتية من موارد غير أحفورية.

وكانت الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية طيعة ومساندة، أدخلت تعديلات حقيقية، وفي أحيان أعادت كتابة سياسات الطاقة المعمول بها، فمثلاً وضعت وكالة الطاقة الدولية دراسات مستفيضة حول ”موازنات الطاقة“ «energy balance» على مستوى المجموعة ثم تفرعت لكل دولة على حدة، في مسعى للتعرف على الاستخدامات والمصادر والخيارات لتلبية العجز، أخذاً في الاعتبار أن الترشيد ورفع الكفاءة هو الخيار الوحيد ولا خيار سواه. وقد فتحت الوكالة كل أبواب ونوافذ التمويل للإبداع التقني المؤدي للترشيد، ومن ذلك مثلاً إيجاد مصادر بديلة والارتقاء باقتصادياتها من جهة وفي نفس الوقت العمل على إيجاد طرق للحد من استهلاك النفط المستورد، بما في ذلك التحول ابتداء للغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء واستخدام العدادات الذكية للاستفادة من تفاوت أسعار بيع الطاقة الكهربية من فصل لآخر ومن ساعة لأخرى. النقطة هنا أن الوكالة عملت وفق منهجية علمية متماسكة تؤدي لتحقيق الغرض من إنشائها، ولا تستند فقط إلى رؤية واستراتيجية وخطط والأفعال مما أشرت له سابقاً، بل كذلك إلى رصد تفصيلي مرعب للبيانات ذات الصلة بالطاقة. فلوكالة الطاقة الدولية «IEA» بنك معلومات هائل، حيث تنشر شعبة إحصاءات الطاقة «ESD» سلاسل زمنية سنوية وفصلية تمتد من العام 1960 فصاعداً عن عوامل عدة، منها: إنتاج الطاقة، والتجارة، والمخزون، والتحول، والاستهلاك، والأسعار، والضرائب فضلا عن انبعاثات الغازات الدفيئة لأعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التعاون والتنمية «OECD» الثلاثين ولأكثر من مئة دولة أخرى.

ليست هناك تعليقات: