الأحد، 22 يونيو 2014

ناهد الزيد

أطلب من الله -سبحانه- المغفرة والرحمة للفقيدة، وأن يحسن عزاء أهلها، وينزل عليهم الصبر والسلوان. أما الوطن فقد خسر إحدى بناته؛ نتيجة لكره وحقد شامل؛ دون سابق معرفة شخصية من قبل من غدر بها، بكل دوافعه تجسدت في كرهه لهويتها العامة وليس لشخصها.
في الأسبوع الماضي كنت في لندن، وأتيحت الفرصة للقاء بعض المبتعثين مصادفة، وجدت أن أملنا بهم يتجدد، وقبلها بأسابيع كنت في الولايات المتحدة، وحدثتكم هنا عن المتخرجين وفرحة الوطن وأهاليهم بهم. 
المبتعثون يمثلون استثماراً أساسياً يعول عليه، وإن كان هناك من يشتكي من ضرورة اكتمال الترابط بين العرض والطلب في سوق العمل، حتى يجد من يتخرج طريقاً قصيرة وممهدة أمامه ليس فقط ليلتحق بسوق العمل، بل ليساهم في البناء والتعمير.

لكني أعود لأقول إن فقدنا لإحدى بنات هذا الوطن في البلد المضيف، يجب ألا يمر مروراً روتينياً، فقد أرسلت المملكة عشرات الآلاف من شبابها وفتياتها، وهم أثمن ما نملك ونراهن عليهم -بتوفيق الله-؛ ليساهموا في نقل المعارف والعلم والخبرات؛ للدفع بوطننا قدماً، وليكونوا قادة المستقبل.. أقول دفعنا بهم مطمئنين أنهم سيكونون ليس فقط تحت مظلة القانون، بل كذلك تحت حمايته، ولذلك فكلمات التعزية من قبل المسئولين البريطانيين هي بالتأكيد محل تقدير، لكن يجب أن يكون القاتل عبرة، فقد قتلها لأنه كره ما تمثله، لعله كره حجابها أو سحنتها فأقدم على جريمة شنعاء ليس لسبب سوى أن يفرغ تراكمات سوداء في نفس مريضة.
اطلعت على كلمات ومواساة السفير البريطاني عبر تويتر، وهو رجل يجيد العربية، وأدرك مدى فهمه المتعمق لمنطقتنا، التي أمضى -فيما يبدو- جل خدمته فيها، وأدرك رقي مشاعره، لكني أتمنى منه كذلك أن ينظر للأمر من زاوية محددة، وهي أن المبتعثين يخضعون للقانون أثناء تواجدهم في بريطانيا. فأتمنى أن نعمل سوياً لينصف القانون البريطاني من غُدر بها وفقدناها غيلة، وألا يكون الأمر موكلاً لبلاغة الدفاع أو التعاطي والتجاذب السياسي. إذ أن الجريمة شنيعة وعشوائية، يبدو أنها لم تقصد شخصاً بعينه، بل شخصاً بهويته العامة، فهل هذا يعني أن هناك من يستهدف شبابنا؟ ولما لا يكون هناك معتوه آخر قد يفكر أن يقدم على جريمة شنيعة مماثلة؟ الأمر بحاجة لنظر وتمعن، وبحاجة لتطمينات، أقول تطمينات وليس ضمانات، ففي النهاية سيسير المبتعثون في الشوارع، وسيذهبون للجامعات، وسيستخدمون وسائل المواصلات، ولكن الرصد الاستخباراتي بوسعه التعرف إن كان هناك من يخطط ليوقع شراً بهم!.
وهنا في الوطن، ندرك أن هناك من اغترب بعيداً، مثل فقيدتنا الغالية، من أجل أن يتعلم ليصبح مواطناً أفضل وإنساناً أفضل. وأدرك كذلك أننا في بلادنا بحاجة لكل واحد منهم، ولذا فإن فقد كل شاب هو خسارة كبيرة وتضحية هائلة. 
ولكن دائماً للسفر والغربة مخاطر وثمنا، وللأسف فمن مخاطرها التعرض للأذى على يد الأشرار، وهذا ما حدث للمبتعثة المواطنة ناهد. لكن هذه التضحية العظيمة من قبل أبنائنا للتغرب بعيداً عن الوطن والأهل؛ من أجل العلم أمر يجب أن يقدر عالياً، والسبب أنهم سافروا من أجل جلب قوة للوطن فوق قوته؛ تنوعاً في اقتصاده ومعارفه في عصر ثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا ما ينقصنا: أن نستجلب أسباب القوة والمنعة المعرفية من كل فج. 
هناك من ينظر للأمر أنهم ذهبوا من أجل أنفسهم، وهذه نظرة قاصرة مجحفة؛ بل هم ذهبوا تلبية لنداء الوطن؛ لتنويع معارفه، فالبرنامج هو برنامج خادم الحرمين الشريفين، وهؤلاء أبناء الوطن وبناته، ولبوا الدعوة. 
ولذا، أتقدم لوزارة التعليم العالي، التي لم تأل جهداً في تنفيذ البرنامج وإدارته ليكون مردوده عالياً للوطن والمواطن، أن تكرم الفقيدة بإطلاق اسمها على جائزة للتميز لمبتعثي برنامج خادم الحرمين، لنتذكر جميعاً أن شبابنا تركوا وطنهم من أجل أن يعودوا، بل هم تغربوا عنه من أجله ومن أجل قوته ومنعته وعزته، وأنهم قد يتعرضون في سبيل تحقيق ذلك للمخاطر والصعاب، تماماً كما قد يتعرض أي شخص للمخاطر وهو على رأس عمله أو في مهمة وطنية. وليس هناك أهم للوطن من أن يعود أبناؤه إليه علماء وباحثين ومهندسين وأطباء ومتخصصين في التقنية والأعمال والاقتصاد.
الفقد صعب، وخسارة الشباب نتيجة لكره أعمى أكثر صعوبة، فهذا أمر لا مبرر له.

ليست هناك تعليقات: