الأحد، 11 مايو 2014

الشيخ عبد الله النمر:مجتمعنا تقلصت قدرته على الضبط التربوي ويحتاج إلى إعادة تصنيع قدراته

قال الشيخ عبد الله النمر أن المجتمع بحاجة إلى الكثير من التكافل لإنتاج صناعات تربوية تحمي الأطفال والشباب من التربية المزرقة في وسائل التواصل والتقنيات الحديثة التي صارت تنتج التمزق الأسري والاختلال العقائدي، داعيا إلى بناء مرافق دينية تقدم الزاد الروحي والفكري المناسب لأعمار الأطفال والشباب.

وافتتح سماحته الخطبة تاليا الآية الكريمة (والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)


• حقيقة العمل


وذكر سماحته في البداية أن طريق النجاة- كما ذكر القرآن الكريم- هو بالإيمان والعمل الصالح، (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) مبينا أنّ المصداق الأمثل للعمل الصالح ليس "ما قد يتبادر للبعض أن العمل الصالح هو صلاة وصيام وحج وزكاة، نعم، هو فيه كثير من هذه المناحي، ولكنه في الحقيقة: الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التواصي بالحق والتواصي بالصبر- وهو عنوان أوسع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-، عملية التفاعل الاجتماعي، عملية التواصي والتفاعل والتدافع الاجتماعي باتجاه الخير والصلاح، التكامل الاجتماعي". 


وأضاف: حين يذكر التكافل الجتماعي قد يتبادر إلى الذهن الجهة الاقتصادية، ولكن من الواضح جدا أن التواصي بالحقّ، على المستوى الفكري والنظري والاجتماعي، والتواصي بالصبر على المستوى الفعلي والسلوكي، هو الدينمو المحرك للإنسان كمجتمع لا كفرد، في سبيل التكامل والرقي والحركة باتجاه السعادة والهناء المعيشي.


• الفعل الاجتماعي


وبين سماحته إن عناصر الفعل الاجتماعي، أي: التكافل الاجتماعي، قد تكون من جهة شخصية، فيتحرك الفرد في سبيل الخدمة الاجتماعية، وهذا يحتاج إلى ثلاثة عناصر يتحلى بها الإنسان لكي يكون فاعلا في هذا السبيل: 


1- أن يكون الفرد ذا حس ديني، إذ من الواضح جدا أنّ الشريعة حثت ودفعت على الفعل الاجتماعي، والعتناء بالشأن الاجتماعي، مساعدة المحتاج، العطاء للفقير، احترام الكبير، العطف على الصغير، فمتى ما كان الإنسان ذا حس ديني فبلا شك سوف يكون له فاعلية في هذه الجهة.

2- الرقة القلبية، قد لا يكون الإنسان متدينا ولكنه صاحب شعور وحس وذائقة إنسانية، وبذا فإنه سيكون أكثر فاعلية في خدمة المجتمع.


3- الوعي والإدراك لطبائع الناس وطبائع التركيبة الاجتماعية. وقد يتفق أن يكون الإنسان متحصلا على هذه العناصر الثلاثة فيكون أكثر حماسا وفاعلية في الشأن الاجتماعي.

• نموذج التكافل

هنا وقفة مختصرة تبرز التوجيه الديني في التوجيه الاجتماعي، يقول الإمام السجاد (ع) في إعطاء نموذج لطيف وجذاب في طبيعة المجتمع المتفاعل المتكافل الذي يرجى منه أن يكون صاحب حركة وتكامل وترقي وتواص بالحق وتواصٍ بالصبر. يروى عنه (ع) أنه سأل أحدهم: " هل يدخل أحدكم يده في كمّ أخيه أو كيسه فيأخذ ما يريد من غير استئذان؟ قال: لا، قال: لستم إذا بإخوان.


قد يكون بعض آداب الأخوة موجودة، ولكن لا تصل إلى هذه الدرجة من اللطف والرفق والتكافل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر بحيث أن يمارس المؤمن مع أخيه المؤمن هذه اللطيفة من السلوك، بحيث متى ما احتاج شيئا يأخذ لا ما يحتاجه فحسب بل ما يريد وبدون استئذان، وللتملك لا للاستدانة والاستعارة مثلا، وبنحو من التواد و" الميانة" يعرف معه رضا صاحب المال لا كنحو من السرقة، يريد أن أن يقول أن هناك مستوى من التكافل والتواطؤ.


لاحظوا الروايات التي تؤكد على أهمية هذه الطبيعة التعاونية العامة، فعن الرسول (ص) قال : " من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله"، مطلق الخدمة ومجرد السعي، هذا السعي البسيط في تقديد الخدمات للمؤمنين يقابله كمٌ هائل وسنوات من العبادة الشاقة.

• مزاج الدين

وروي في حديث قدسي أنّ الله تعالى أوحى لنبيه موسى (ع): " إن من عبادي من يتقرب إلي بالحسنة فأحكمه في الجنة ( الجنة تحت حكمك) فقال موسى: يا ربّ وما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في حاجته قضيت أم لم تقض".


المزاج العام للدين هو هذا، لأن بذلك تكون الإنسانية أسعد وبالها أهنأ، عندما تسير في هذا الاتجاه، وهذا هو طبعا مخّ الإيمان وحقيقة الإسلام، وهو واضح وجلي في الروايات الدينية التي تؤكده، فالصادق أو أحد الأئمة (ع) ترك الطواف وذهب في إعانة أخيه المؤمن. أحد العلماء يقول: لم أر الروايات تؤكد على فضل عمل كما تؤكد على زيارة الإمام الحسين (ع)، إلا قضاء حاجة المؤمن لأن بها يتحقق التكامل الاجتماعيّ ويتطوّر المجتمع وترتقي المجتمعات الإنسانية جمعاء.

• المربي التقني

لنأخذ جنبة من جنبات الحاجات الاجتماعية العامة، هناك حالات خاصة كأن يحتاج الفقراء للمدد المالي، أو أن يحتاج بعض الجهلة إلى التعليم والتوجيه، ولكن هناك شأن عام نعايشه نحن في هذه الفترة لدينا مشكلة ملاحظة الجيل الطالع كالشباب والأطفال وخصصا بين سن الحامسة والثامنة، هؤلاء يتعرضون إلى هجمة فكرية وثقافية هادئة وخفية تتغلغل بين جوانبنا حتى تفلتت منا القدرة التربوية المنزلية، قبل 50 سنة كان للآباء - بشكل عفوي واعتباطي- قدرة على تزريق آدابنا وآرابنا وآرائنا.

أما اليوم فأكثر الأبناء في سن الخامسة يجيد التجول في العالم الاجتماعي الافتراضي، وكثير منهم أكثر خبرة وتفنن من والديها بحيث تصلح الطفلة لوالديها البرنامج إن تعرض لخلل. وهذه مفردة من مفردات التأثير عليهم وتربيتهم، هذه ليست مجرد برامج يجيدها الأطفال، بل هناك جهات تسعى لبسط سيطرتها وتوجيهها التوبوي على المجتمعات، ونحن لدينا مظاهر سلبية كثيرة منها التفكك الأسري الطلاق وكثرة شرب الدخان في المدارس وقد تكون هذه موطئة لأمور أخرى لا تحمد عقباها، أيضا هناك ظاهرة التمرّد والتفكك الأسري وكثير من الجهات، هذه وغيرها كلها ضابطها عد الضبط الداخلي، عدم وجود جهات تسير البناء التربوي بشكل صحيح، وعدم ضبط العملية التربوية، مساحة دور الأسرة في التربية صغرت وتدخلت جهات أخرى ذات أهداف وأغراض، لا أقول أن هناك هجوم واستهداف ولكن هذه الجهات تعمل وفق مبانيها وتصوراتها.

• أوجه سلبية

هناك ثلاث عناصر وأوجه للتأثير، وهذا لا يشمل فقط الأبناء الأطفال بل أيضا الشباب حيث يمتد إلى سن الخامسة والعشرين:
1- إثارة الرغبات، وليس فقط الرغبات في المأكل والرغبات الجنسية المنتشرة، ولكن أيضا عبر المقاطع التي تثير في النفس الرغبة في الغلبة والبطش والعنف وسفك الدماء. كل هذه الإثارات الروحية ذات آثار ونتائج سلبية.

2- الإثارة الرغبة في التفكيك الأسري تحت عنوان الحرية والاستقلال وعد قبول الاتباع والانقياد وغير ذلك من مفاهيم وقيم تزرق في نفس الشاب بطرق هادئة ومبسطة وسلسة، وبشكل مغلوط وخطير جدا.

3- الإرباك العقائدي: هناك تشكيك حول أصل هذا الوجود، سابقا كنا نندهش لو سمعنا عن شخص لا يؤمن بالله، اليوم أصبحت هذه الفكرة تطرح وبجرأة وباساليب، لأنه زرقت من خلال هذه المناهج والأساليب الحديثة.

• التكافل الجديد

هنا تأتي أهمية التكافل الاجتماعي، إذا كان- في وقت ما- المنزل كفيلا بأن يقدم مستوى مقبولا من التربية والتوجيه، فاليوم لا يمكن. هناك احتياجات كثيرة تحتاج إلى تكافل اجتماعي وإلى أن يضع المجتمع أيدي بعضه بأيدي البعض الآخر.

لكي لا أذهب بعيدا في الحديث الكلي أذكر نموذجا استلطفته وأحببت أن أذكره بين يديكم، أرسلت إلي ابنتي قبل أسبوع -وهي في مكان آخر- صورا لأطفالها الصغار وعرفت أنهم في مكان ترفيه، وسألتها أين هذه الصور؟ قالت: في حرم السيدة المعصومة، فقلت: لم أعهد أنّ في حرم المعصومة أماكن للعب الأطفال! اللطيف أنّ هناك معممين يرشدون الأطفال من عمر الخامسة إلى العاشرة، في حضر السيدة المعصومة.


وهذا يبين لنا أن التربية مفهوم اجتماعي مؤسساتي يحتاج إلى يتكاتف المتعلمون والمثقفون وأصحاب الأموال.

المنتجات التي تسوق لأطفالنا هذه تصنيعات ناتجة عن صناعة، هذه الرسوم المتحركة التي يشاهدها الأطفال لها مدن ومصانع، تجدها في الملابس وفي لوحات الإعلان، في مقابل هذا لا يستطيع منزل محاصر أن يحافظ على ثقافته بل يحتاج إلى تكافل اجتماعي ونهضة اجتماعية.

مع الأسف كثير من المؤمنين القادرين حين يقال له ساهم في هذا العمل يتصور أن العبادة والخير يقتصر على المساجد، في مساجدنا لا يوجد مرافق للأطفال كثيرا ما قلنا أنّ الأطفال يثرون الإزعاج في المساجد ولكن ليس هذا هو الحلّ، الحلّ هو إيجاد البديل وان تساهم هذه المرافق في الأخذ بيد الطليعة وتقدم لهم الخدمة الروحية والفكرية، فحين يكبرون قد يستعصي علينا العلاج والإصلاح لما قدمناه اعتباطا. عن علي (ع): "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية كلما ألقيت فيها قبلته".

في الختام: عن الصادق (ع): " كان أصحاب رسول الله (ص) يتهيؤون ليوم الجمعة من يوم الخميس، ونحن مقبلون على شهر رجب وهو راس السنة الروحية، وهو شهر ذو موقعية خاصة، فجدير بنا أن نثير في أنفسنا الرغبة والاستعداد على أمل أن نستثمر هذه الهبات الربانية.

ليست هناك تعليقات: