الخميس، 1 مايو 2014

الشيخ عبد الله النمر:الزهراء نموذج الطمأنينة والتوازن للمرأة

الشيخ عبد الله النمر أن واقع المرأة المسلمة في زمن تداخل الثقافات يدعو بشكل مؤكد إلى التمسك بنموذج شخصية الزهراء (ع) التي تشكّل بصيرة وحماية من التشتت بين الأفكار المختلفة لدور المرأة، مؤكدا أن الزهراء (ع) تمثل الطمأنينة بما حققته شخصيتها المتكاملة والمتوازنة بين الدور الأسري والدور الاجتماعي وانفتاحها على الأفق الغيبي ببصيرة ثاقبة. 


وافتتح سماحته الخطبة تاليا الآية الكريمة (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب).


وأرفد قائلا: في هذه الأيام وفي هذا الشهر ذكرى سيدة نساء العالمين الزهراء (ع) حيث تقع هذه الأيام بين ذكرى وفاتها وذكرى ولادتها الميمون، ومن الاتفاق أن يحتفى أيضا بيوم المرأة العالمي.و أضاف: هذا يثير النقاش والتفكير حول دور المرأة الاجتماعي ودورها الفكري، وهي قضية حرجة وحساسة ومهمة ومحورية في بناء النهضة الاجتماعية، لهذا ارتأيت أن أخصص هذه الأسابيع عن الزهراء (ع) وما يمكن أن ينعكس علينا من تأمل شخصيتها ودورها اجتماعيا وبالخصوص على دور المرأة المؤمنة.

• التفاضل العلمي

وبين سماحته أنه " انطلاقا من الآية الكريمة التي بدأنا بها الحديث (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب) فإنها تشير إلى أن التفاضل البشري قائم على العلم ويدور مداره، ومن هنا جاء بأن مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء، تأكيدا على أن دور العلماء لا يقارن حتى بدماء الشهداء على ما في الشهادة من الفضل إذ أنّ فوق كل بر برّ حتى يقتل المرأ في سبيل الله.

ولكن لا بد من وقفة مع المقصود بالعلم، إذ قد يتبادر إلى الذهن أن المقصود هو الفقه والإحاطة بالأحكام الشرعية التفصيلية التي تهدي لها الروايات. في حين أنّ هذا هو الفقه الأصغر، هو نحو علم، فالعلم والفقاهة المقصودة هو الفقه الأكبر، هو معرفة مرادات وأهداف الدين، وليس معرفة الفقه إلا مرحلة من مراحل هذه الحقيقة، إذا انفتح الإنسان على آفاق الوجود، وعرف واقع الأحكام، هناك تنفتح أمامه الأحكام التفصيلية، ويعرف أحكام الفقه.


الزهراء (ع) أجابت عن سؤال رسول الله (ص) " أي شيء هو أفضل للمرأة"، الذي عجز عن إجابته الصحابة، فقالت " أن لا ترى الرجال ولا الرجال يرونها"، فمن أين جاءت الزهراء بهذه الإجابة ومن هداها لها؟ وحين ذهب الإمام علي (ع) إلى النبي (ص) بالإجابة قال له: هذه من عند الزهراء (ع)؟ هذه التفاصيل عرفتها الزهراء ضمن علمها، فهي عندها حقيقة العلم والمعرفة، ولذا لا تظل عنها هذه التفاصيل الفقهية، فهي نتيجة لانفتاحها على آفاق العلم.


• آفاق من خِطَبِهَا


ولعل من أكثر ما يفيد الباحث عن معارف الزهراء الوقوف على خطبها التي تعطي إضاءة واضحة عن أفق الزهراء وعلومها (ع)، تقول الزهراء (ع) في خطبتها التي يقف عليها العلماء مسترشدين في بحوث مفصلة: " الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاوت عن الإدراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته ابتدع الأشياء لا من شي‏ء كان قبلها وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها ".

هذه المعاني يقف أمامها العلماء وقفة المتصاغر المسترشد عسى أن يهتدوا لشيء من آفاقها، هذه العبائر والجمل ذات مداليل ومعاني ومقاصد عميقة، وليست مجرد بلاغة وتفنن لفظي، نحتاج إلى مقدمات للوصول إلى آفاق هذه العبارات التي أحاطت بها الزهراء (ع) علما. ومن معاني خطبتها أن كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله)، جعل مناطها تحقق الإخلاص، (وضمن القلوب موصولها) وتعني أنه لولا أنّ الله سبحانه زرع في فطرة الإنسان وقلبه الاهتداء إلى هذه الحقيقة لما كان له سبيل إلى ذلك، من أفضل النعم بعد أصل الخلقة أنه زرع في نفس الإنسان هذه المعاني، ولولا ذلك لما كان للإنسان أن يهتدي إلى حقيقة توحيد الله عز وجل.
( وأنار بالتفكير معقولها)، وهنا يقف العلماء وقفة تفكير معمقة للتفريق بين تضمين القلوب للموصول وبين إنارة العقول بالتفكير. 

إلى أن وصلت إلى قولها (ع): " وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه واصطفاه قبل أن ابتعثه.
هذه الألفاظ هي مثار تساؤل، أي العوالم هذه التي تتحدّث عنها الزهراء (ع)؟ هي عوالم فوق هذه العالم. هذه الآفاق التي تضمنتها الخطبة مليئة بالعقائد، هذه الأمور التي تشير إليها كلها حقائق واقعية تكوينية قد لا نهتدي إليها، وهو ما تنبّه إليه الآية الكريمة (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق)، هذه المعاني التي تشير إليها الزهراء كلها حقائق ومشيئة تكوينية.


مقابل هذا العلم وهذه المعرفة يوجد التيه والإندهاش والتساؤلات عن حقائق هذه العوالم، ولوج هذه العوالم وتلمس هذه الآفاق والعيش في هذا العالم هي حقيقة العبادة، أما أن يصلي الإنسان ويصوم وهو تائه يعيش حالة من العمى، نعم قد يتفضل الله ويمنّ علينا بالمغفرة واللطف والعطف، ولكن الإنسان في الحقيقة لا يتجاوز حالة العمى حينما لا يبصر هذه المعاني.

وتكمل (ع) بعد الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد (ص) بالعبودية والرسالة والاصطفاء في عوالم الغيب التي تصفها قائلة: ( إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بمآيل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه وإنفاذا لمقادير رحمته"
نستفيد من هذه العبارات أنّ الزهراء (ع) عالمة، وأنّ تسيّدها لنساء الأوّلين والآخرين إنما هو بالعلم والمعرفة، ولم لا ؟ فإنها ختمت هذه المرحلة العلمية والوجودية في سنين لم تتجاوز عشرين سنة.

• تعدد النماذج


النقطة الثانية هي ما يترتب على النقطة الأولى، في هذا العصر نعيش حالة من التواصل وهذه حالة تختلف عن الحقب السابقة من حيث التفاعل والتداخل والتقارب الفكري والتفاعل العام، أصبحت الأمم وكأنها قرية واحدة، هناك حالة من الأممية في كثير من الأمور، قد تتأبى بعض الشعوب أن تدخل في المساهمة الأممية العامة، ولكن في الكثير من المناحي ما عادت هناك أمة تنعيش مستقلة، هناك الإقتصاد الدولي والسياسة الدولية والكثير من الجهات.

ومما لا شك فيه أن من الجهات التي توحدت فيها الأمم أو كادت أن تتوحد هي الناحية الثقافية، من الناحية الثقافية والفكرية نحن لا نستطيع أن نربي أبناءنا وبناتنا كما كان الحال قبل مائة سنة حيث كانت التربية تنقل الموروث والمعتقد مع قليل من المؤونة إلى النشـء، اليوم لم يعد ممكنا أن نعيش منعزلين وبعيدين عن تأثيرات الأمم الأخرى، هذه التأثيرات أدت إل أن تتسابق الأمم وتتشارك في العديد من النواحي والجهات، ومنها الإدارة العامة، والمشاركة العامة للجمهور في إدارة شؤون البلاد ومنها شحصية ونموذج المرأة التي تقدمها هذه الأمة أو تلك.


نحن اليوم نعيش حالة ضغط وإرباك قد يؤثر في كثير من جوانبنا الاجتماعية، فحينما تقدم بعض الأمم الغالبة نموذجا للمرأة مخالف لما إلفناه وورثناه وسرنا فيه، هذا التقديم قد يربك واقعنا الاجتماعي والنفسي والفكري، وربما نجد هذا الإرتباك واضحا إلى حينما نطلع على الأبحاث والتوجهات والاجتهادات الفكرية الباحثة عن النموذج الأفضل للمرأة وكيف يجب أن تكون، فبين مشرّق ومغرّب، وبين تائه، يبحثون عن الشخصية النموذجية.


• نموذج فريد

كل هذا يحدّه نموذج الزهراء (ع)، التي هي النموذج المتكامل الذي نباهي به الأمم ونتحدى به الحضارات، وبالتشبث بها، بجمالها وبآفاقها، يتحصن الإنسان ويحصن وعيه وقلبه وشخصيته عن أي نوع من أنواع الإرباك. يجب أن ندرك أن الزهراء التي عاشت أفق الغيب، لم تعش هذا العالم منقطعة عن الواقع الإنساني. 
ولعلّ من أبرز صفاتها هو حسن التبعل الذي به تحفظ بيتها وتصون منزلها، هذه الشخصية النموذجية المتجسدة في الزهراء (ع)، وهذه الشخصية المتسمة بالعفة وحسن التبعل والانقطاع عن مخالطة الرجال لا تتعارض أبدا مع الفعالية في الشأن الاجتماعي كما هو شأن الزهراء (ع) حينما تصدت للدفاع عن راية الدين المتمثلة في ولاية علي (ع)، حينما أصيبت الأمة بالخلل فإنها لم تتوان في التصدي لهذا الخلل وعانت في سبيل ذلك ولا قت ما لاقت وتحملت ما تحملته بوعي كامل وإدراك تام فجسدت النموذج المتكامل.
سوف نسمع في يوم المرأة العالمي دعوات لنماذج نسائية عالمية تدعو المرأة إلى أفكار وأنواع مختلفة من السلوكيات، ولكن حين نزرع في أنفسنا حبّ الزهراء (ع) ويعشش في أنفسنا فإنّ ذلك هو السبيل لاطمئنان المرأة روحيا وبنائها فكريا لضمان الاستقرار الاجتماعي العام. 


• الانتماء الحقيقي


علاقتنا بالزهراء (ع) فيها نجاتنا في الدنيا والآخرة. بل إن ما نسمعه من أن الزهراء تلتقط شيعتها يوم القيامة كما يلتقط الحب الجيد من الحب الرديئ، هذا هو صورة لما سنعيشه في واقعنا، شيعة الزهراء (ع) ليس من يلبسون السواد في يوم وفاتها ويبكون عليها، ولكن من يعرفون الزهراء ويحبونها ويعكسون صورة الزهراء (ع) في حياتهم.

الزهراء (ع) هي هبة إلهية ونبراس نحن مدعوون للاقتداء بهذا النموذج الحي كنساء وكمجتمع، مدعوون للاستفادة من هذه النعمة التي وضعت بين أيدينا. حين نقارن بين الواقع وبين صورة الزهراء نجد أنه بالرغم من احتواء كتب المسلمين على الكثير من كرامات وأنوار الزهراء (ع) إلا أن واقع المرأة فيه الكثير من الانحراف عن هذه الصورة وعن هذا النموذج، وحتى في الواقع الشيعي مع الأسف، ورغما من الإنتماء إلى هذا الخط، إلا أنه يوجد تخلفا عن هذا التصور، ولعل هذا يرجع إلى التخلّف العام، وهو ما يحتاج إلى بحث مستقل.

ليست هناك تعليقات: