الأحد، 13 أبريل 2014

النقيضان المتآخيان

نحن نعرف العداء الدائم بين المتناقضين وأنهما «لا يجتمعان ولا يرتفعان» حسب التعبيرات العتيقة، ولكن المتناقضين اللذين أعينهما هنا يجتمعان ولا يرتفعان بل هما في تصالح دائم ويتبادلان المواقع بصورة مشتركة، وكل منهما يقدم الآخر الى موقعه ضاحكا مستبشرا.. هذان هما المعقول واللامعقول.
المعقول واللامعقول مفهومان لم يكونا منفصلين في كل الثقافات.. ولكن ما حدث في الغرب من تطورات علمية وفنية وحروب طاحنة غيرت بشكل جذري ما زرعته الانوار في الذهنية الغربية من ان الانسان كائن عقلي وان الاطمئنان النفسي سيغمره من الرأس الى القدم واذا به بعد ذلك يكون عرضة للتمزق والعزلة الموحشة او الغربة حتى عن نفسه الاخلاقية.. ولم يكن امام مبدعيه الا اعتبار الواقع جحيما لابد من الفرار منه الى اللا معقول.

هل نحن مثلهم؟
حاول بعض المبدعين العرب تقليد هذا الفرار ولكنه فرار كعدمه لاننا في العالم العربي لا نحتاج الى الفرار من واقعنا لنهرب من سجن المعقول الى رحابة اللامعقول.. بل الذي نحتاج اليه هو الفرار من اللامعقول الى المعقول.
«في انتظار جودو»
هل نحن بعيدون عن فضاء هذه المسرحية التي فتحت باب اللامعقول؟ كلا لسنا بعيدين عن هذا الفضاء فنحن في كل تاريخنا كنا في جحيم هذا الانتظار.. انتظار الذي لا يأتي.
وحين نأتي الى حياتنا العملية نجد اللامعقول هو الذي يسيطر عليها.. فالمعقول في التعليم «مثلا» ان يكون اداة لتحريك الطاقة الفكرية في المتعلم واللامعقول هو ان يصبح سدا منيعا ضد تدفق هذه الطاقة.. فماذا نحن عليه؟ ستجيب فورا: بأننا نعيش في اللامعقول.
المعقول في أي وسيلة اعلام نقل الحقيقة الى القارئ او السامع.. واللامعقول هو ان تزيف الحقيقة وتضلل من يراها او يسمعها.. فكيف نحن مع هذه الوسيلة؟ يجيبنا الشاعر بسام الوردي:
«في سفرتي سأكتب القصيدة
وأنحت الملامح النقية الجديدة
بوجهي الذي بحثت عنه دونما أثر
في صخب الجريدة»
وعلينا أن نكرر مع توفيق الحكيم
(يا طالع الشجرة
هات لي معاك بقرة
تحلب وتسقيني
بالملعقة الصيني)

ليست هناك تعليقات: