هل تبقى مدينة ينبع الصناعية الفتية صناعية صرفة، ترسم تقاطيعها ذرات الكيمياء وقوى الميكانيكا؟ عبر زياراتي المتكررة لهذه المدينة، التي هي أقرب للمنطقة الاقتصادية المتخصصة منها لمدينة صناعية، رسخ في ذهني هذا الانطباع الجاف، لكني وجدت في الأسبوع الماضي ينبعاً مثقلة بالزهور كذلك، وحققت سجلاً في جينيس بسجادة زهور مساحتها 10712 متراً مربعاً.
لما لا نزاوج بين ينبع الصناعية وينبع البلد لِتُولَدّ منطقة اقتصادية بمقومات عالميةأدرك أن ينبع الحديثة أسست لتكون مدينة صناعية، وهذا أمر يتحقق كل يوم، السؤال: لماذا لا تصبح ينبع مدينة اقتصادية متعددة المصادر، لا سيما أن موقعها الجغرافي والمقدرات المتاحة لها تتيح لها ذلك؛ فهي تملك إطلالة متميزة على البحر الأحمر، وللهيئة الملكية للجبيل وينبع منظور لتطوير الواجهة البحرية والارتقاء بمستوى الخدمات المتاحة وبتعزيز جودة الحياة للمقيمين في المدينة ولزوارها، كما أن المدينة الصناعية نسجت خلال ثلاثة عقود شبكات من الشراكات المتنوعة قابلة للإثمار. وقد لا أكون مبالغاً في القول إن المدينة الصناعية بوضعها الحالي تستحق أن يقصدها السياح للاستجمام وقضاء وقت ممتع على الشاطئ. أما الأمر المشجع لتنويع اقتصاد المدينة فهو أن لها صنوا قريبا مكاناً وروحاً. مدينة ينبع البحر لها تاريخ يستحق الإبحار فيه والاطلاع على بيئته، وقد فطنت الهيئة العامة للسياحة لهذا الأمر، فهي ترمم وتعيد تأهيل العديد من المباني التاريخية وسط مدينة ينبع. بالإضافة للتاريخ، فلينبع ميناء تجاري يستقبل البضائع كما أنه أحد الموانئ السعودية التي تستقبل الحجاج، والفرصة متاحة أمام الميناء ليرتبط بموانئ أخرى ويتلقى منها السياح من داخل وخارج المملكة، لاسيما أنه ليس بعيداً عن العديد من الموانئ مثل ميناء ضباء على سبيل المثال. فضلاً عن أن ينبع في موقع مميز لقربها من المدينة المنورة، بما يوجد أفقا لترتبط مع المدينة المنورة لاستيعاب الزوار وتعريفهم على المناطق المحيطة بالمدينة بعد فراغهم من أداء الزيارة. وأكاد أجزم بأن التنمية السياحية لينبع هي ضمن الاهتمامات العالية لهيئة السياحة، وكذلك فينبع الصناعية تعايش برنامجاً نشطاً من التوسع، وما دام أن النشاط يدب في المحورين السياحي والصناعي فلما لا نوجد رابطا بين الجهود لتنمية وتطوير «ينبع الكبرى»، بما لا يعيق أن تحقق كل جهة المهام المناطة بها، ولكن لتكامل الجهود والمواءمة لتعظيم الاستفادة.
لعل الأمر بحاجة لرؤية اقتصادية شاملة ترتكز إلى عدد من القطاعات كالصناعة والسياحة وسواهما، بهدف فرز فرص العمل والاستثمار، وتهيئة خطط لتنمية وتطوير الموارد البشرية اليافعة في ينبع بما يؤهلها لشغل تلك الوظائف بسعوديين، بل وقد يساهم في استقطاب الريادين ومن يرغب للعمل لحسابه الخاص. أما المبرر لإطلاق «ينبع الكبرى» فهو السعي للاستفادة مما هو متاح لحصاد مستويات أعلى من القيمة المضافة بالمزاوجة بين القطاعات بما يوجد منظومة اقتصادية- اجتماعية وليس فقط حاضنة صناعية وميناء قصيا؛ فينبع قبل وجود الصناعة شيء، وهي تتحول بتدرج وثقة للكيمياء وتفريعاتها من أساسية إلى متخصصة، وهناك ينبع أخرى على مرمى حجر بوسعها جلب الكثير من الخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق