الاثنين، 1 ديسمبر 2014

الشيخ عبد المحسن النمر: ينبغي التوازن في الحركة الاجتماعية وعدم مسايرة الباطل

دعا سماحة العلامة الشيخ عبد المحسن النمر في خطبته الأخيرة إلى التوازن في الحركة الاجتماعية والدعوة إلى الله تعالى بمراعاة قاعدتين هامتين وهما التدرج في الدعوة وعدم الوقوع في الطرح المثالي من جهة وعدم خلط الحق بالباطل من جهة أخرى بحجة عدم توفر الإمكانية ما قد يوقع الإنسان في الوهن والدعوة للباطل في بعض الأحيان، ودعا سماحته الإنسان الذي لا يستطيع الوقوف في وجه المجتمع إلى السكوت وعدم مسايرته في الباطل. 

 

وابتدأ سمحته الخطبة تاليا الآية الكريمة ( ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا)

الدعوة إلى الله إلى الله عز وجل وحركة الأمة إلى الله تحتاج إلى طاقات وجهود وتحتاج إلى صدق نية وصدق في تحرك الإنسان في هذا المجال.

هذه الآية القرآنية وأحاديث شريفة مؤكدة تدل على أن الإنسان بدعوته إلى الله عز وجل يكون شريكا في نتاج هذه الدعوة ويكون له نصيب من ثمرتها.

في الحديث عن مولانا الإمام الصادق (ع) قال: كل سنّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال، قال رسول الله (ص): " من سنّ سنة حسنة (في بعض بعض الروايات: "في الإسلام" والمعنى واحد) ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجرهم شيء، وفي بعض الروايات: ومن سنّ سنة سيئة كان له وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. هذا الحديث الذي يرويه الإمام هو من الأحاديث الذي بلغ حد التواتر من الطائفتين

وهو بلا شك يعطينا قاعدة إسلامية هامة، أن الإنسان إذا اختط وابتدع ودعا إلى شيء كان له أجر ذلك العمل الذي أحياه وأجر من يعمل بذلك العمل إذا كان العمل حسنا، وإذا كان عملا سيئا كان له وزره ووزر من عمل به.

·      قاعدتان للحركة الاجتماعية

 هذه حقيقة إسلامية ينبغي لنا التبصر فيها. قبل أن نخوض في هذا الأمر يجب أن نلاحظ الحركة الدينية، الدين والتعامل مع حركة المجتمع لكي تتأكد لنا حقيقتان مهمتان:

الأولى: الدين حقيقة في مقابل كل باطل، الدين ليس فيه من الباطل شيء ولا يقبل شيئا من الباطل لا كبيرا ولا صغيرا، يقول الله تعالى:( ماذا بعد الحق إلا الضلال) إذا لم يكن حقا فهو ضلال، الدين هو أمرٌ في حقيقته وفي علوه أمر لا يختلط بالباطل ولا يقبله ولا يندمج معه.

 هذا هو الدين في حقيقته العلوية، أما الدين في انطلاقته في وضعه الاجتماعي فلا بد أن يتدرج مع المجتمع بما يتناسب وإدراكه ووضعه المسلكي والاجتماعي لكل مجتمع، وهذا يحتاج إلى البيان في الفرق بين التدرج في طرح الدين والتدرج في التغيير الديني من جهة وبين تغيير الدين وحرفه.

التدرج بمعنى أن تكون صياغة الخطاب الديني صياغة متدرجة، مثل أن تريد من ابنك أن يكون عالم رياضيات أو فيزياء، فأنت تتبع التدرج في تعليممه الرياضيات والفيزياء ففي السنة الأولى تعلمه المقدار المناسب لفهمه وإدراكه ولا يمكن أن تبدأ معه بتعليمه حقائق الفيزياء من أول يوم، وهكذا يكون الدين فهو يأخذ الناس بمنهاج يجعلهم قادرين على استيعابه، وهناك اختلاف في المجتمعات باختلاف الظروف والأماكن والأمور المحيطة والأمور المساعدة والأمور المثبطة في حركة المجتمع.

هذا شيء وتغيير أهداف الدين ومبادئه شيء آخر، يجب أن نميز بين الأمرين، الخطاب الديني يكون تدريجيا صحيح ولكن لا يغير أهدافه ولا ومبادئه، بل كما قال الله عز وجل ( ماذا بعد الحق إلا الضلال)، تغيير المبادئ يعني إدخال الباطل فيما هو حقّ وهذا أمر غير مقبول في الشريعة والعقل.

إذا في فهمنا وحركتنا نحو التغيير والدعوة والإصلاح يجب أن نأخذ في اعتبارنا أمرين لا بد من التوازن بينهما.

 الأول: لا يمكن أن تطرح  للناس مثالية لا يستطيع المجتمع تقبلها، لا يمكن أن تطرح للمجتمع بعض الكمالات وتأمره بها وهو لا قدرة على استيعابها من ناحية المفهوم والإدراكية، أو من ناحية العمل والتطبيق، فحين يكون واقع المجتمع مكبلا بالأعداء وأعداؤه أقوى وأقدر منه مثلا، فلا يمكن أن تطلب منه الحركة والوصول إلى أعلى المراحل في الحركة.

 

2- العنصر عدم الخضوع للواقع الاجتماعي وهذا  في مقابل المثالية، أحيانا يقع الإنسان في القبول والاستسلام للواقع الاجتماعي  بل في الذوبان في الواقع الاجتماعي، فبدلا أن يكون عنصرا فاعلا ومبدعا يقفد كل طاقة من طاقات العمل، فيقول أنا لا أستطيع ولا أتمكن ولا أجد الإمكانيات.

فحينما يقف الإنسان على النحو المثالي فإنه يدعو إلى أمر لا يمكن للمجتمع القيام به، ومن جهة أخرى حينما يفقد طاقة العمل بسبب ذوبانه واستسلامه في الواقع الاجتماعي فهو يقع في العجز والاستسلام وحينها تتجمد الحركة الإصلاحية التي يدعو إليها الدين، فيؤدي ذلك إلى ترويج الباطل أحيانا باعتبار عدم القدرة على تطبيق الحقّ، وهذا من أخطر ما يمكن أن يصيب المجتمع، قد يكون الإنسان غير قادر على البوح بالحقيقة فمن الأفضل حينها بل من الضروري أن لا يكون داعيا إلى الباطل فيها، أنت لا تستطيع أن تقف في وجه بعض تصرفات المجتمع في بعض الجهات، فهل تدعو إلى الباطل وهل تسير مع المجتمع في باطله؟ يقولون في المثل: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، أحيانا لا أستطيع أن أقول الحق فعلي أن ألتزم بالصمت على الأقل، وعدم التهريج مع المهرجين والسير مع السائرين إلى الخلل والإنحراف.

 

·      مسألة فقهية
 

يكثر الاشتباه فيها، يجب أن يعرف الإنسان حقه حتى يعرف كيف يتصرف؟ هناك مسألة تسمى حريم البئر أو حريم الدار أو حريم العقار، بمعنى أن هناك للعقار حد لا يجوز التعدي عليه؟ ما هو الضابط في تحديدها؟ الضابط أن لا يقوم آخر بعمل شيء يمنع من الاستفادة من العقار والحصول على منفعته، مثلا لو أن شخصا امتلك بئرا أو نهرا فلا يجوز لك بناء جدار يمنعه من الاستفادة منه، مواقف السيارات مثلا، حقك أن لا يمنعك من الدخول، أو الدخول بسيارتك إلى كراجك، أما ما يحيط بالدار من جميع الجهات فليس من حقه، نلاحظ أن البعض يكتب على جدار داره ممنوع الوقوف، وقد يتعدى على السيارة الواقفة.

 نعم من الأدب أن لا تضيق عليه وأن تتجنب ما استطعت مضايقته، ولكن ليس من حقه المنع من الوقوف أو الاعتداء على من يقف بجانب بيته. ندعو إلى تعلم الأحكام والحدود الشرعية قبل التصرف تجاه الآخرين.

 

ليست هناك تعليقات: