عند تقليب إحصاءات وزارة الشئون البلدية والقروية يتضح عدم وجود ندرة أراض بل وفرة من الأراضي البيضاء المخططة. وحقيقةً، ليس القصد أن يصبح السعر ريالاً، بل جعل امتلاك مسكن في متناول الشباب، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن. وحالياً، هناك من يريد غض الطرف عن المكون الأهم لمخزون الأراضي السكنية فيبحث عن حلول لمواجهة أزمة السكن تبدأ وتنتهي بتوفير أراض خام في أطراف وخارج المدن، فهل هذا ضروري، إذ فطنا إلى أن أجزاءً من المخططات السكنية تبقى لسنوات طويلة «بيضاء»؟ فعلى سبيل المثال بَيّن مؤجراً تقريرٌ أن أكثر من 70 بالمائة من الأراضي المخصصة للسكن في مدينة الرياض «بيضاء».
وإن كنا جادين في مواجهة أزمة السكن في أقصر وقت ممكن فلا بد من عمارة الأراضي السكنية «البيضاء»؛ فهي تمثل الحل «أو لنقل جزءاً جوهرياً منه». وعلى الرغم من ذلك، فلا أزعم أن حل أزمة السكن ينحصر فقط في إقامة مساكن على الأراضي السكنية البيضاء، لكن الحل يبدأ منها، وإلا لماذا اشترى تجارٌ الأراضي الخام، وخططوها ورخصوها من الجهات المعنية ثم طوروها ثم أفرغوها قطعاً سكنية في صكوك؟ هل من أجل أن يحتفظ كل منا بصك؟ وأين تكمن المصلحة في أن تترك الأرض دهوراً والمجتمع أحوج ما يكون لها؟
وما يبرر الحديث عن الأراضي السكنية «البيضاء» أنها - فيما يبدو - ليست مدرجة ضمن منظومة الحلول، فالحديث السائد عن أراضٍ بعيدة جديدة. أقول: لا بأس، ولكن ماذا عن الأراضي البيضاء؛ فهي قريبة ومخدومة، كما أن اتساع رقعة أي بلدة أو مدينة يمثل عبئاً لما يتطلبه من توسيع شبكة الخدمات والمرافق، بل ان من أجل هذا الأمر تحديداً توضع النطاقات العمرانية. وهكذا، فتوسيع رقعة مدننا دون مبرر فيه نفقات متزايدة لمدّ شبكات المرافق والخدمات دون داع. وهكذا، فنحن مضطرون لمجابهة ظاهرة العيش في مدن كبيرة المساحة متناثرة المساكن وتعاني من نقص في المساكن رغم تكدس الأراضي السكنية البيضاء، ثم يخرج أحدٌ ليقول لنا: لدينا شح في الأراضي! بل لدينا فراغ تنظيمي ونقص في السياسات الضابطة لاستخدام الأراضي فيما خصصت له؛ فهل يعقل أن نجد فراغات بيضاء في مخططات تجاوز عمر البنيان فيها عشر سنوات؟ وما المصلحة العامة في ذلك؟ أدرك المصلحة الخاصة، لكني أكرر: أين المصلحة العامة في ذلك؟ وكيف يؤثر ترك الأراضي السكنية بيضاء لسنوات ممتدة في تفاقم أزمة السكن؟ وهناك من المتعاملين في الأراضي من يظن أن العوام لا تدرك أن قيمة الأرض ترتفع بسبب انتشار البنيان حولها، ولذا فهو يتركها لترتفع مستفيداً من تنامي العمران حولها! وليس مطروحا هنا أن تبنى كل الأراضي في مخطط معين خلال سنة أو اثنتين، ولكن ليس من المصلحة أن تبقى الأراضي بيضاء، ولذا لا بد من وضع سقف زمني لعمارتها.
والمشهد السائد أمامنا وفرة الأراضي البيضاء عند ملاك لا يرغبون - لسبب أو لآخر - في بنائها، وفي الناحية الأخرى من المشهد شباب يبحثون عن سكن اقتصادي متصاعد الأجرة والقيمة، وفي الناحية الثالثة جهة حكومية لم تجدّ طريقاً حتى الآن للتأثير ايجاباً في المعروض من المساكن الاقتصادية «سواء للسكن الخاص أو للاستثمار ومن ثم الايجار»، وبذلك نجده مشهداً ساكناً، المتحرك الأبرز فيه تصاعد ثمن وأجرة المساكن. السبب التحرك اللين والهين في وضع تنظيمات وسياسات بما يحفز الجميع على بناء المساكن، وبما أن المسكن لا بد له أن يقام على أرض مخططة ومخصصة للسكن، فلا مناص من إيجاد تلك الأرض، وبما أن الوقت هو العنصر الأكثر وزناً، فأقصر طريق هو الاستفادة من الأراضي السكنية البيضاء. وليس النقطة هنا تأميمها أو اختطافها أو اغتصابها بل دفع ملاكها لبنائها، ليسكنوها أو يبيعوها أو يؤجروها، لا فرق. فبناؤها هو الذي سيحدث فرقاً جوهرياً في السوق العقارية وانفراجاً حقيقياً لأزمة السكن. وهذا لا يتعارض أبداً مع استصلاح وتطوير مخططات جديدة بل مطلوب أن يكون متزامناً معه، ومع ذلك فليس منطقاً أن «نَمطّ» مدننا وبلداتنا طولاً وعرضاً، لنبني بيوتاً على أطرافها وجوانبها ولا نمانع أن يبقى قلبها وما حوله متخما بالأراضي السكنية البيضاء، فذلك سيكون أسلوب «وين إذنك يا حبيشي»! وهكذا، لا بد من الوصول لحلول مع ملاك تلك الأراضي البيضاء لبنائها، وإلا تُحمل الأرض غرامات تتصاعد سنوياً. وباعتبار أن القصد أساساً ليس جباية الغرامات بل دفع أصحاب الأراضي لبناء أراضيهم البيضاء أو بيعها لمن سيقوم ببنائها عاجلاً غير آجل، فجوهري توفير حلول للتمويل العقاري بضمان الأرض وما سيبنى عليها، وربط ذلك بمنظومة التمويل والرهن العقاري، التي نأمل أن تكتمل وتبدأ قريباً نشاطها الذي طال انتظاره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق