يقول محمود درويش:
«على هذه الارض ما يستحق الحياة
نهاية ايلول
سيدة تترك الاربعين بكامل مشمشها
ساعة الشمس في السجن
غيم يقلد سربا من الكائنات
هتافات شعب لمن يصعدون الى حتفهم باسمين
وخوف الطغاة من الاغنيات...»
حين تقرأ قصيدة لدرويش فأنت في سيل بلا ضفاف ستكون في حالة من الغرق، جماليا تنقلك كل موجة الى اخرى، وقد اغتسلت من شيء ما في داخلك.. ومن فرح الى حزن ومن حزن الى فرح.. ومن احتراقات الانسان من الماضي والآتي تظل منتشيا «كنشوة الطفل اذا خاف من القمر».
اعلاه جزء من قصيدة: (على هذه الارض ما يستحق الحياة) وهي تنتقل بك بين حقول الحياة التي تستطيع ان تقطف منها ما تشاء من باقات الفرح.
تضعك امام صورة نفسية محجبة هي (خوف الطغاة من الاغنيات) وتسأل: لماذا يخافون من الاغنيات؟ ويجيبك التاريخ مسرعا: لأن الاغنيات الجماعية سواء عبرت حزنا او فرحا تخيف الطغاة؛ لأنهم يريدون الا يصدر شيء جماعي الا بإذنهم، والا فهو تمرد على الآمر بإذن الله.
هل تغريك صورة «امرأة تترك الاربعين بكامل مشمشها؟» انها تغريني اغراء اشد منك.. ولكني سأتركها لك، واذهب الى صورة اخرى هي صورة «ساعة الشمس في السجن».
هل ذقت ساعة الشمس في السجن؟ الذين ذاقوها يتحدثون عنها هكذا:
انت في زنزانة اقصر منك طولا، تحاور الظلام وتتحدث مع الجدران، وتعيد اضواء ما في ذاكرتك، حتى لا تظن ان الضوء قد مات. يأتيك السجان وقد لبس وجه طفل. يفتح باب الزنزانة الحديد قائلا: انت تعالى معي. وتذهب معه ويدخلك في مساحة لا تزيد على عشرة امتار ويوصد عليك الباب.
هناك تستعيد عينيك اللتين فقأهما الظلام، وترى الشمس والهواء الطلق، وتتنفس ملء رئيتك وتصرخ «على هذه الارض ما يستحق الحياة».
انها «ساعة الشمس في السجن».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق