من المشاكل التي بلينا بها في العالم الإسلامي هي الطائفية، والتي كانت راسخة في العقول منذ سنين طوال، تتجاوز المئات، وسببها الرئيس بنو أمية، بسبب العداء المعروف بينهم وبين أشراف العرب «بنو هاشم» من قبل ميلاد النبي محمد
، وجاء الإسلام الذي لم يستطع أن يمحو هذا العداء المتأصل في الشجرة الخبيثة، بل أنه استفحل عندما كان الاختيار الإلهي لأشرف سلاسة على وجه الأرض وهي بنو هاشم لحمل الرسالة الخاتمة.

وابتدأت تلوح بعد ذلك بوادر الطائفية في الأفق أكثر من أي وقت مضى، واستفحلت في الإسلام حينما تقلد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخلافة الصورية، ويتضح ذلك جلياً في حرب صفين، التي أججت نار الحقد الأموي على بنو هاشم ليبلغ ذروته ويستمر جيلاً بعد جيل، وأكبر دليل على ذلك قول يزيد لعنه الله بعد قتله للإمام الحسين:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لستُ من خندف إن لم أنتقم
من بني احمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
ومنذ تسلم الأمويين زمام السلطة حاولوا جاهدين محو الكثير من فضائل الأشراف الهاشميين من أجل إظهار محاسنهم ومحاسن أعداء أهل البيت ومن يرتبط بهم، ولكن الواقع التاريخي يقول أن الله نقى المعصومين الأربعة عشر من الرذائل ونقى بنو أمية من الفضائل، ولذلك المنصفين هم من لم يتأثروا بهذا العداء وأخرجوا لنا تاريخ فيه أحد عشر إماما سيرتهم تشهد لهم بالصفاء، في حين ذكروا لنا كيف لعب بنو أمية بالخلافة الإسلامية بالإضافة إلى ذكرهم لمجالس اللهو واللعب والفجور، التي كانوا قادتها في تلك العصور وهم على منابر المسلمين.
نعرف كما يعرف غيرنا أن المنصفون لا يهمهم أبداً الانتماء، إنما يهمهم الحقيقة التي تصل إلى الناس مهما كانت تمثل للخصوم، ولكن هذا الأمر من الصعب حدوثه في المنهج السلفي، الذي كرس نفسه خلال السنون الغابرة على محو المذهب الشيعي من الوجود، وهذا لن يكون بالتأكيد لأن الرموز التي يتعلق بها أصحاب هذا المذهب هي رموز إسلامية معروفة لا يمكن أن يمحو ذكرها أحد، لأن الوحي نزل في بيوتاتها.
سوف أكون منصفا أكثر واستبعد في حديثي الأئمة الإثنا عشر، مع أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن أتجاهل علي ابن أبي طالب وفضائله الكثيرة التي لم يذكر منها شئ في المناهج المدرسية وغير المدرسية خوفاَ على الطلاب الصغار أن تميل قلوبهم إلى هذا البطل الأسطوري، الذي تارة يقولون أنه أفضل الصحابة لكونه من أهل البيت، والذين هم أفضل البشر بعد رسول الله
، وتارة يقولون أن الخلفاء الثلاثة أفضل منه، وأيضاً من الصعب تجاهل سبطي المصطفى الحسن والحسين، اللذان كان رسول الله ينزل من على منبره وهو يخطب في الجموع ليجلسهم على رجليه، وسوف أخص بكلامي فقط شخصية فاطمة الزهراء بنت رسول الله
.


السيدة فاطمة هي بنت نبي الأمة، وإن اختلفنا في جملة من الأمور مع المذاهب الأخرى إلا أننا لا يمكن أن نختلف في هذه الشخصية، التي تعد محورا من محاور الإسلام الحنيف، لكونها بنت نبي هذا الدين، والمذهب الإسلامي الذي ينكر أن نبيه محمد بن عبدالله، الدين براء منه ومن انتمائه إليه، ولذلك تتفق جميع المذاهب على النبي
مع الاختلاف في كثير من مناهجها الأخرى، كما أنه لا يمكن لأي مذهب أن يجعل ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام بمعزل عنه، وأنها مختصة بطائفة معينة، بل أن على الجميع تبجيلها وذكر محاسنها ودراسة منهجها وعلمها وورعها، لأنها القدوة الحقيقية للنساء مع أمها خديجة، والرسول ذكرهم في جملة من الأحاديث الصحيحة، التي تجمع عليها المذاهب الإسلامية، منها هذا الحديث العظيم حيث روي في مسند أحمد ومشكل الآثار للطحاوي ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: «خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة أخطط ثم قال: تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون».

ونحن في الحقيقة حتى الآن نجهل لماذا يتم ذكر نساء في التاريخ الإسلامي ويتم تعظيمهم في الكتب المدرسية مثل فاطمة بنت عبدالملك التي تسمى أم البنين وأسماء بنت أبو بكر وأمهات المؤمنين، في حين نرى تجاهل واضح لشخصية فاطمة الزهراء، التي ليس في المسلمين من لديه نسب أشرف وأعظم منها، وليس في المسلمين امرأة لها زوج مثل زوجها أو ولدين كولديها، بالإضافة إلى الأحاديث التي وردت فيها ومنها قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد الرابع:
[ فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري]. «صحيح». وأخرجه البخاري مختصرا بلفظ: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني وقال رسول الله
في حديث مشهور: «إن الرب يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها» وهذا الحديث أجمع الكثير على صحته من جميع الطوائف الاسلامية ولا أظن أن مثل هذا الحديث ورد في فضل أي أمره في العالمين سوا فاطمة.

وهذا يكفي فاطمة أن تكون رمز للمرأة المسلمة وتحقق الهدف الحقيقي من تدريس الفتيات بعض رموز الإسلام من النساء دون تغيير أو تزوير، ونقل الحقيقة التي تواتر المسلمين على نقلها بمختلف الاتجاهات والطوائف عن محاسن وصفات فاطمة والكمال التي كانت عليه، التي لا يمكن أن تكون عليه امرأة أخرى.
إن السؤال الذي يطرح نفسه على مؤسسات التعليم ما هي الأسباب الحقيقية والواضحة لعدم تسليط الضوء على فاطمة الزهراء في المدارس؟ وهل يعطيكم الحق تعلق الشيعة بفاطمة أن لا تنصفوها وأنتم تقولون أنكم تحترمون نبيكم.
في اعتقادي أن تجاهل فاطمة يرسخ حادثة الباب، والمشكلة التي نشبت بين السيدة الجليلة والخليفة الأول حول فدك، وأنه بالفعل ومهما أنكر المنكرون أن الصحابة لم يصلوا على جثمانها الطاهر، وفي هذا السياق لا أنسى مهما حييت كلام أحد السلفية وهو عثمان الخميس حين قالها صريحة في المستقلة: إن عدم صلاة أبو بكر على الزهراء منقصة لها إذا كانت الواقعة حقيقية.
وهذا دليل على أن قرب فاطمة الزهراء من رسول الله ومكانتها التي ذكرها في الأحاديث الشريفة ليس لها وجود في منهج السلفية أو احترام بسيط.
إرشيف
إرشيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق