الأربعاء، 19 مارس 2014

أصولٌ في اللياقة الفكرية 3

التقدير الذاتي .. أو حجر الزاوية
هذه النقطة من الأمور المتناهية في الأهمية فيما يتصل بتحقيق الأهداف وإحراز الإنجازات .. ونحن هاهنا نُعرض إليها شرحاً وتحليلاً ، ليتضح المقصود ، بالضبط ، من مصطلح " التقدير الذاتي ". 
لكلٍّ منّا في كيانه حظٌ من النقص والعيب ، فليس أحدٌ منا إلا وله عيبٌ ماثل فيه ، إمَّا في هيئته الخِلقية الظاهرة أو في خُلُقه وطباعه .. إمَّا في جوارحه أو جوانحه .. وليس خروجاً عن المألوف أن يُحِسَّ الإنسان بأنَّ هذا النَقص حرمانٌ له من الكمال الذي ينشده ، فالمرأ ـ مثلاً ـ يتمنى قوة البنية إذا افتقر إليها ، كما يتمنى المال إذا كان مُعوِزاً ، وهو إلى ذلك يتمنى قوة الحفظ إذا كان ضعيف الحافظة أو متوسطها ... إلخ.
ولكنَّ إحساس الإنسان بعيوبه يصل إلى مراحل حادَّة وإلى مراحل مُتأزِمة ، في بعض الحالات ، حيث يتوغل إحساس الإنسان بما فيه من النقص والعيب ، في أعماق النفس ، إلى الحد الذي تنهار معه ثقة الإنسان بذاته ويتآكل إحساسه بأهميتها ، ويضعف إيمانه بجدارته وكفائته في وصوله إلى أهدافه وغاياته.
ومن الطبيعي أنَّ الإنسان كلَّما كان أشدَّ استغراقاً في آلامه من ناحية نقصه وقصوره ، انخفض منسوب ثقته بذاته وضعف اعتماده عليها ، وهو الأمر الذي سينتهي ، تراكمياً ، إلى انحسار الإندفاع والحماس في أداء الأعمال ، وإلى شيخوخةٍ نفسية ، خاليةٍ من الطموح والفتوة .
هذه إذن صورة الإنسان المحطَّم معنوياً ، والفاقد للثقة بقدراته.
ولكننا نجد على النقيض من ذلك صورةً أخرى ، تعبِّر عن حالةٍ معنويةٍ مضادَّة ، حيث يستطيع الإنسان أن يحافظ على مشاعر الإحترام لذاته وأن يؤمن بما فيها من طاقة للوصول إلى الأهداف المنشودة ، وهذه الحالة هي التي نسميها " التقدير الذاتي ". 
والمسحة التي يتميَّز بها من يمتلك صفة " التقدير الذاتي " هي امتلاكه لـ " الحصانة " النفسية التي تمنع مشاعر الإستهانة بالذات من النفوذ إلى معنوياته وصموده ، بحيث لاتتحول آلام الإنسان الناتجة من عيوبه وخلله ونقصه ، إلى عبإٍ لسحقه وتدميره .
ولكي تتضح المسألة فلنتناول مثالاً حيَّاً ، ولنسترجع أحوال الناس الذين مررنا بهم في حياتنا .. في مقاعد الدراسة .. أو مصادفةً في الطرق العامَّة ، أو على منصَّات الإلقاء والمحاضرة .. إلخ .. فلنتمثَّلهم في أذهاننا ولنطرح السؤال التالي : ألم نجد لدى بعض هؤلاء إشكاليةً ما في النطق ببعض الحروف؟ 
بكلِّ تأكيد صادفنا من هؤلاء عيِّناتٍ ، قلّوا أو كثروا .
بعد ذلك فلنلاحظ هؤلاء لنتبين الفَرقَ بينهم في نظرتهم لذواتهم ، فهل هؤلاء المصابين بمشاكل النطق ، هم على وضعٍ واحد؟ 
بكلِّ تأكيدٍ ليسوا كذلك .. فهناك أشخاصٌ من المصابين بصعوبةٍ في النطق ، هم في غاية الإنبساط والراحة في التعامل مع الآخرين ، وإجراء حواراتٍ تلفزيونية وإلقاء محاضراتٍ عامَّة ، فيما إذا كانوا من الشخصيات النخبوية ، وهم إلى ذلك يمارسون سائر نشاطاتهم بكلِّ حيوية وفاعلية ، مما يعني أنَّ عقبات النطق لم تكلِّفهم أي عبإٍ نفسي ولم تمثِّل لهم سداً في حياتهم . 
وعلى النقيض من ذلك تماماً ، ما نجده عند قِسمٍ ممن يعانون من صعوبةٍ في النطق ، حيث نلمس فيهم درجةً مؤلمةً من الإنكسار وانحسار الفاعلية ، وغياب الإستجابة لما يمليه الطموح ممن هو في مثل حالهم ومواهبهم الكامنة .. نعم ، إذ ليس هنالك إنسانٌ فيما نألف ونعرف ، يخلو من موهبةٍ ظاهرةٍ أو كامنة. 
وكلُّ ذلك التناقض البيِّن في المثالين المتقدِّمين ، هو من رشحات التقدير الذاتي عند أحد الطرفين ، والحاضر بصلابة عند أحدهما ، وغيابه عند الآخر .
ومن خلال ملاحظة مدى تأثير هذه الخصلة ( التقدير الذاتي ) ، وخطورة امتدادها إلى الوضع المعنوي للإنسان .. يتبين السرَّ في تسميتها بـ "حجر الزاوية " ، كما أسلفنا في عنوان هذا المقطع.

مدونة السيد يوسف النمر

ليست هناك تعليقات: