تنفسّ الصبحُ فتنفستُ الصعداء لا لأني لم أنم :
فما أطالَ النومُ عمراً ولا
قصّر في الأعمار طولُ السهرْ
كما قال صديقي الخيّام ، ولا لأني لم أفك لغزَ نومٍ انتحر على أبوابِ أجفاني فما أكثرَ المنتحرين ، لكنّهُ قلقُ الرحيل وأُلفةُ المكان لدي فما عساني أحطُّ بأرضٍ حتى يُحزنني فراقُها ، فـ دبي التي عرفتُها منذُ ربع قرنٍ وزرتُها عشراتِ المرات ما يزالُ حلوُ ذكرياتها عالقاً بذهني
أيقظتُ صديقيَّ الراقدينِ الحالمينِ ناجي حرابه و حمزة الحمود فقد كانا كَـ لاعبي شطرنج نومُهما فكرةٌ وصمتُهما مكيدةٌ وفتورُ جفنيهما ( كِش ملك ) .. فزعا من دغدغةِ أصابعي كمن عضه حنش ، فقد كُنتُ مضطراً لإخبارهما أن الطائرة ( الآذرية ) تنتظرنا على الباب فسهري بالأمس أحوجني لنديمٍ يُشاطرني الحديث
مطارُ دبي في هذا الوقت المبكر جداً كخلية نحل أو قل كيوم الحشر حيثُ الزحامُ ( على ودنو ) كما قال العم توفيق الدقن ، فالوجوهُ شاحبةٌ والعيونُ جاحظةٌ والشفاهُ ذابلةٌ وكأن المرحوم دراكولا امتصّ ما تبقى فيها من دماء لعلهم لم يناموا مثلي .. اللهُ أعلم .
التفاهمُ مع موظفي الطيرانِ الآذري مُتعب جداً فلكنتُهم الانجليزية عصيّةٌ على الفهم والبحثُ بين ركامها عن حرفٍ هنا أو مفردةٍ هناك كمن يبحثُ عن إبرة في كومة قَشٍ ونحنُ لا نجيد ( الآذرية ) ولاهم يُجيدون ( الحساوية )
فتعطلتْ لغةُ الكلامِ و خاطبتْ
عينيَّ في لغة الهوى عيناكِ
المهم بعد شدٍ وجذبٍ وتوبيخٍ و عتبٍ حتى كدنا أن نشحنَ أحدَنا مع الشنط من فرطِ ما أُسيء فهمُنا ، غادرنا ( كونترهم ) وانطلقنا كمن :
له ايطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ
وإرخاءُ سرحانٍ و تقريبُ تتفلِ
وإن كُنتُ أكرهُ المفردةَ الأخيرة وأعلم أنها ممنوعة بالمطار لكن أكملنا ركضنا بلياقة ( تتفل ) .. شخصياً تجنبتُ السلالم الكهربائية وصعدت الدرج أربعاً أربعاً لأثبتَ للعذالِ مدى رشاقتي ولياقتي ولقافتي فظنّ البعضُ أن لدي فوبيا ركوب السلالم الكهربائية فصرتُ ( كالمُنبتِّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع ) ظننتُ أني سأُمدح فذُممتْ .. ولربنا فيما براهُ شؤونُ
ركبنا الطائرة الآذرية .. مقصدُنا باكو عاصمة أذربيجان وتحليقُنا فوق الاراضي الإيرانية ، عندها الطائرةُ :
وثبتْ تستقربُ النجمَ مجالا
وتهادتْ تسحبُ الذيل اختيالا
وحيالي غادةٌ تلعبُ في
شعرها المائجِ غُنجاً ودلالا
لكن مع الأسف لم يكن بجانبي إلا الحبيبان حرابه والحمود ولم يكونا - في الواقع - يلعبانِ بشعرهما ولم يكن بهما غنج ولا دلال .
حينها ارتفعتْ الطائرة عالياً تخترقُ السحب بل صعدتْ فوق ( هام السحب ) .. وهنا تذكرتُ العم الجواهري :
ركبناهُ ليُبلغنا سحاباً
فجاوزَهُ ليَبلغنا السحابُ
ما بين ثقوبِ الغيم تتلصص عيناكَ الأراضي الإيرانية حيثُ الجبال الشامخة والأودية الملقاة على ظهرها وبطنُها للسماء في مشهدٍ سريالي بديع .
قطعَ استرسالُ تلصصنا نقاشٌ طارىءٌ بيني وبين الحبيب حرابه طال وقتُه وعلا صوتُه وعقمتْ غايتُه وأينعتْ وسيلتُه فلا أنا أقنعتُه ولا هو أقنعني ..
وللحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق