الاثنين، 4 أغسطس 2014

الآراء الفقهية عند العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي

كتب العلامة أربعة أجزاء بعنوان دروس في فقه الإمامية، وهي لمرحلة التمهيد لحضور البحث الخارج، وطبع الجزء الأول عام 1415هـ بينما أنهاه العلامة عام 1413هـ ويعود تأليفه إلى فترة وجوده في جدة عام 1409هـ وما قبلها، وطبع الجزء الرابع عام 1429هـ، كما أنه كتب عدة رسائل فقهية: كالغناء، والرأي الفقهي في حلق اللحية، وولاية المرأة وغير ذلك.

ولم ينقطع العلامة عن العلم يوماً ما منذ خرج من النجف الأشرف بل ظل متواصلاً مع الفقه والفقهاء، وتشهد رسائله التسع مع الشهيد الصدر والتي امتدت بين عام خروجه 1391هـ إلى قبُيل استشهاد الشهيد الصدر، وكلّها تطفح بالعلم والتحقيق... وقد تناول العلامة في هذه المجلدات الأربع، الموضوعات التالية:

الجزء الأول :بحوث تمهيدية، التكليف الشرعي، الطهارة.

الجزء الثاني: بحوث تمهيدية لدراسة المعاملات المالية، ثم تناول مجموعة من النظريات والقواعد .

الجزء الثالث: المعاملات المالية القديمة والحديثة.

الجزء الرابع: معاملات البنوك التجارية.

في هذه الأجزاء الأربعة وفي غيرها من الدراسات التي كتبها تتجلّى فقاهة العلامة الفضلي، وفق منهج خاص ومحدد. واتسمت بحوثه الفقهية بعدة سمات، يمكننا أن نفهرسها بالتالي:

1)- البحث في تأريخ المسألة: فكان يستعرض المسألة الفقهية في بداياتها، وكيف تطورت عبر الأجيال، مما يساعد على فهمها بصورة صحيحة، مثال ذلك ما عرضه من تعريف الفقه، حيث بدأ بأقدم التعاريف، والذي لا يزال أثره باقيًا في الرسائل العملية والبحوث الفقهية، وهو تعريف شرح العضد لمختصر المنتهى، وكذلك في تحديد موضوع علم الفقه، والذي بيّن فيه السبب وراء اختيار القدامى أن موضوع علم الفقه هو: أفعال المكلّفين، وأن الأحكام الخمسة عوارض لأفعال المكلفين، وأن هذه الأحكام هي مسائل علم الفقه وليست موضوعه، وذلك لأن منهج البحث قديمًا يحدّد موضوع العلم بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية كبدن الإنسان، فهو موضوع علم الطب، فإنه يبحث فيه عن أحواله (عوارض البدن ما تعرض على البدن) من حيث الصحة والمرض، وكالكلمة التي يبحث فيها عن أحوالها (ما يعرض على الكلمة) من حيث الإعراب والبناء. والعوارض الذاتية هي التي تلحق الشيء لما هو هو أي لذاته، كالتعجب اللاحق لذات الإنسان، أو تلحق الشيء لجزئه كالحركة بالإرادة اللاحقة للإنسان بواسطة أنه حيوان، أو تلحقه بواسطة أمر خارج عنه مساوٍ له، كالضحك العارض للإنسان بواسطة التعجب، فالبحث عند القدامى ينصب على المسائل لا الموضوع، بينما يرى المنهج الحديث أن المسائل هي موضوع العلم لأنه وضع ليدرس فسمي موضوعًا.

2)- الابتعاد عن المنهج الفلسفي، وسلوك المنهج العلمي

لأن الفقه اعتباريات، وليس تكوينيات، والفلسفة موضوعها التكوينيات لأنها تبحث في الوجود بما هو وجود.

3)-الابتعاد عن الطريقة الاستنتاجية، وسلوك الطريقة الاستقرائية

لأن الفقه عبارة عن جزئيات يتم البحث عنها بالاستقراء والتتبع لا الاستنتاج.

4)- فرز المصطلحات، والمقارنة بين الفقه الشرعي والقانوني، والمصطلح الاقتصادي:

مثال ذلك ما أوضحه في الفرق بين المعاملة في الفقه والمعاملة في القانون المدني حيث تكون المعاملة في القانون المدني مختصة بالمعاملة المالية ، وكذلك ما أو ضحه من فرق بين تعريف الفقه للمال وتعريف القانون المدني، فالمالية في الرأي الفقهي صفة للشيء، أو قل : قيمة اعتبارية للشيء، سواء تعلق به حق الإنسان أم لم يتعلق به. بينما هي – أعني المالية – في القانون تعني نفس الحق الذي يتعلق بذلك الشيء ذي القيمة المالية ، وكذلك ما ذكره من الفرق بين الحيازة في القانون والحيازة في الفقه ، والبيع في الفقه والبيع في القانون .

فالمصطلح الفقهي غير المصطلح القانوني، وكذلك هما غير المصطلح الاقتصادي، وكثيرًا ما يقع الخلط بينهما، فتأتي النتائج الاستنباطية متباينة، وقد يلتقي التعريف الاقتصادي مع التعريف الفقهي كما في ربا القرض أو القرض الربوي .

6) – الرجوع للمتخصصين في تحديد الموضوعات

مثال ذلك ما ذكره في البنك، فالبنك له أنظمته وقوانينه، ومسائله بعدُ لمّا تدخل دائرة الفهم العرفي وتستقر في أذهان الناس حتى يصبح فهمها ميسورًا لكل أحد، ليصح الاعتماد على الفهم العرفي والإرجاع إليه، ويعود هذا إلى أنها بعدُ لمّا تنتشر وتشيع في أوساطنا الاجتماعية الانتشار والشيوع اللذين يحققان لها فهمًا عرفيًا يعتمد عليه عند الرجوع إليه..لأن أتباع المنهج الفلسفي عند عدم القدرة على تشخيص الموضوع أو عدم وضوحه، أو لأجل الاحتياط بغية أن يتيقن الباحث من دخول الموضوع واحدًا من المحتملات، يأخذون بالمنهج المذكور فيعفون أنفسهم من عناء محاولة التحديد، مكتفين بطرح المحتملات، ومحاولة معرفة حكم كل واحد من هذه المحتملات التي تردد الموضوع بينها حسب اعتقاد الباحث، وقد لا يأتي الموضوع المبحوث عنه واحدًا من المحتملات.. وطريقة طرح المحتملات فيه شيء من الإطالة، كما أن البنوك حقيقة مادية (جزئيات) استقرائية، قائمة في واقعنا، ويمكن معرفتها عن طريق الدراسة الميدانية، ومما يؤخذ على الكتب التي تناولت الأعمال المصرفية عدم التوثيق لتحديدات وتشخيصات موضوعات البنوك التجارية، ككتاب الشيخ إسحاق الفياض: أحكام البنوك والأسهم والسندات والأسواق المالية (البورصة)، وفقه البنوك للشيخ محمد باقر الإيرواني المطبوع سنة 2002م، وذلك لأن التوثيق لابد منه، لأن المفاهيم البنكية لم تصل إلى مستوى الفهم العرفي، وثانيًا لأن هناك خلافًا في بعض المفاهيم البنكية عند المتخصصين في اقتصاديات البنوك، فعلى أيّها يستند الباحث؟ إضافة أن التوثيق شيء أساسي في البحوث العلمية، فلم يذكر في قائمة مصادر الكتاب الثاني (فقه البنوك) حتى اسم كتاب واحد من الكتب المؤلفة في البنوك التجارية من قبل المختصين باقتصاديات البنوك، كما أنه لم يشر إلى دراسة ميدانية قام بها المؤلف .

7) تصنيف الأقوال

كثرة الآراء قد تشوش الدارس، ومن الميزات التي حظيت بها بحوث العلّامة أن يعمد إلى تصنيف الآراء وجعلها مجموعات، فربما تصور الباحث لكثرتها أنها آراء متباينة ولكن بجعلها مجموعات ربما قلّ عددها إلى السدس، كما فعل العلامة في تصنيف تعريفات البيع والتي رجع فيه إلى ما يقرب ثلاثين كتابًا فصنفها إلى خمس مجموعات.

ليست هناك تعليقات: