بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ ياايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ﴾
لا يخفى ما في صرف الخطاب من الحديث مع زوجات النبي الى الحديث مع عامة المؤمنين , من التوبيخ والعتب بل واليأس من التوبة .
وهذه الاية هي العقد في السورة وهي على وجازتها وقصرها الا انها تنطوي على النظرية القرانية في المسؤوليات الأسرية . فالآية توضح الفارق بين المسؤوليات الاجتماعية العامة في المجتمع الإيماني والمسؤوليات الأسرية الخاصة .
في العلاقات الاجتماعية هناك حقوق للمؤمنين تحت عنوان الأمربالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل وإرشاد الضال و... بينما الواجبات الاسرية سقفها ارفع من ذلك بكثير .
متعلق الامر في الاية هو الغاية والنهاية والنتيجة المرجوة من التربية والتعليم والتهذيب والتوجيه والسير والسلوك وايجاد عوامل التاثير .
النظرية القرانية للواجبات الاسرية
ايجاد الجو الوقائي
الآية امر ينطوي على اوامر عدة فهي تنظر الى النهاية والذروه. في عملية التربية ، وإذا كان النظر الى العلة الغائية فهذا يعني ان المقدمات منظورة ومرادة أيضا وإذا وجبت الغاية وجبت كل مقدماتها . هناك مقدمات منطقية وواقعية لابد منها وكلها مأمور بها
والآية على قصرها تتسع لنظرية تربوية قرانية متكاملة في بعدها الفقهي والمعرفتي والفلسفي والعرفاني .
ان وقاية الشئ هي حفظه من كل ما يؤذيه ويضره .
ثم حددت الاية موضوع الوقاية ومتعلقها وهو " من النار " فليس المراد الوقاية من كل ضررفهو حق طبيعي لكل مؤمن, بل الوقاية مما يؤذي وينتهي بالانسان الى دخول النار . وهذه ذروة وغاية المسؤولية في العلاقات الاسرية .
فهو امر يستبطن اوامر عدة ويتحمل اوامر متعددة فالايات عندما تقول قو ابنائكم واهليكم من النار لا تريد أن تقول علّموا أبنائكم , درّسوهم , هذّبوهم , ربّوهم , ... فقط لأن هذا من لوازم الوقاية. عندما اقول :( قِهِ ) من النار أي كن حجابا بينه وبين دخول النار كن حائلا بينه وبين دخول النار . يعني اخلق له الجو والفضاء والمناخ المناسب . فكل أمر تربوي هو مجمل في هذه المقولة ﴿ قوا انفسكم واهليكم ﴾ .إذن هو أمر يستبطن أوامر .كالأمر بالصلاة الذي يستبطن الامر بكل مقدمات الصلاة .الأمر بالوضوء والأمر بتعلم الصلاة و...
فالنظرية القرانية تعتمد أولا على الغاية وهو إيجاد الجو الوقائي و سدّ كل المنافذ التي تؤدي إلى النار ومحاصرتها . هناك أمور كثيرة هي سبب لدخول النار .الأخلاق الفاسدة , العقائدالمنحرفة , الاحاسيس و الرغبات الباطلة ...الخ , خلق الجو الوقائي يعني غلق كل هذه الابواب المؤدية الى النار ، وهذه مسؤليه عظمى .
ولذا المسلمون عند نزول الايه وتلاوت رسول الله صلى الله عليه واله لها ادركوا حجم هذه المسؤليه .
في الرواية بعد ان نزلت هذه الاية , قرأها رسول الله في المسجد وخرج الى بيته فوجد رجلا جالسا على دكة بيته يبكي .فقال انا لا استطيع امتثال هذه الاية انا لا استطيع ان اقي نفسي فكيف اقي غيري!
الاية تبين وتفصل النكتة الأساسية التي تعتمد عليها هذه الوقاية .
ايجاد هذا المناخ والجو الوقائي يعتمد على عناصر عدة تناولتها الاية :
اولاً: تقوية العقيدة بالآخرة :
فالوقاية لا تحدث الا بالادراك الكامل والحقيقي لنظام الدنيا والاخرةومعايشته . ولايمكن ايجاد هذا المناخ الا بثبوت حقيقة المعاد بكل ابعادها . فكلما كانت العقيدة باليوم الاخر في الاسرة مدركة وحاضرة اكثر كلما كان هذا الجو الوقائي مؤثراً.
الآية توضح لنا طبيعة المعاد وتؤكد على ان نظام تلك النشاة يختلف عن هذه النشاة .
وقودها الناس والحجاره
كيف يمكن ان يكون الانسان هو الوقود؟
في هذه النشاة لا يمكن للانسان في حد ذاته ان يكون وقودا للنار بل لا بد من وجود ماده خام قابله للاحتراق تضاف على الانسان فتحرقه. يحترق الانسان في الدنيا بالعرض لا بالذات . فاذا اريد احرق انسان والعياذ بالله فيجب ان تضاف اليه مادة ماده هي في نفسها قابله للاحتراق والانسان يحترق لقربه منها هذا الانسان الذي نعرفه في دار الدنيا وطبيعتها لا يحترق بالذات اما في ذلك العالم فالانسان هو الحارق هو مواد الخام التي تحرق وتُصلي.
لا يكفي الاعتقاد بوجود يوم اخر بشكل مجمل فيه يحاسب الناس وعليه يجازون بل في الدين الاسلامي لابد من الايمان بهذه الايات القرانيه.بهذه التفاصيل الوارده في القران عن خصوصيات اليوم الاخر .
ان معنى ان تؤمن بالجنه والنار هي ان تعرف ماذا تعني الجنه وماذا تعني النار .
ان فيما بين ايدينا من الديانات الاخرى لا تتحدث عن احوال يوم القيامه.. والجنه.. والنار ولا توضح حقيقه ما سوف يستقبلنا
وان هذه التفاصيل التي تحدثنا عن يوم القيامه..وعن حقيقة الجنه والنار والميزان ..والحساب.. واحداث ذلك اليوم هي من مفخرة الاسلام.
لقد كان لي صديقة فاضلة درست عليها جزء من كتاب الكفايه كانت تقدم رساله دكتوراه حول اليوم الاخر عند الديانات المسيحيه واليهوديه مقارنه بالاسلام..كانت تقول هناك فارق كبير بين حديث القران عن اليوم الاخر وحديث بقيه الاديان السماويه
كما ان طرح الاسلام للتوحيد وحديثه عن الوحدانيه له اعلى المراتب واجلها كذلك حديثه عن اصول الدين الاخرى
ان هذه التصوير القراني لحقيقه اليوم الاخر هو العنصر الاول في النظريه التربويه
لخلق الجو الوقائي للتربيه
وهنا القران يفصل في مسأله مهمه وهي جزء من اهم المعارف القرانيه.. ما يسمى بتجسم الاعمال ..
وهو من المعارف القرانيه الاساسيه.. والمراد به هو ان ما نواجهه في اليوم الاخر ليس جزاء اعمالنا فحسب وانما سنجد عين اعمالنا ويعرض علينا متنها ﴿ ووجدوا ما عملوا من خير محضرا ﴾
فما يجدونه هو عملهم وليس جزاءه
وكذا مقتضى العدل الالهي ان يرد على الانسان عمله وليس شيئا مقابل عمله ولذلك هناك من يكون هو الجنه ﴿ واما ان كان من المقربين فروح وريحان وجنه نعيم ﴾ ليس له روح وريحان وانما هو روح وريحان .
ولذلك يقول ( هم درجات).
وفي المقابل هناك من هم وقود النار ولذلك يقول ( هم درجات).
لا توجد ايه تحمل الانسان المسؤلية كهذه الاية .هي تقول ان مورد الوقاية ومن يجب وقايته والجدير بالوقاية
اهلك الذي يجب الا تحولهم الى وقود لجهنم.
معنى الجو الوقائي الاسري هو القدرة على احياء هذا التصور والعقيدة ولاشك ان تحصيل هذه القدره يحتاج الى علم وعمل.
وهنا يحق لنا ان نعود الى اول الكلام.. الم يكن رسول الله اول مخاطب بهذه الايات
الم يكن هو اول ممتثل لهذاالامر الإلهي ؟؟
الم يكن هو اقدر المخلوقات على ايجاد التقوى وزرعها في النفوس المستعده ؟؟
الم يكن اشد الخلق مهاره في تربيه عناصر الخير واثارتها ؟؟
اذن فمنذا يعيشه ويعايشه ولا يغتنم فيضه ؟؟
منذايصاحبه في جلوسه ومبيته ثم
لا يرتزق من لطفه وعلمه وهو يعلمهم الكتاب والحكمه ويزكيهم .. ولكن وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله.
ولنا عوده للنظريه القرانيه مفصلا. بحول الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق