هل ملائم أن تغلق المحلات عندنا مع حلول التاسعة مساء؟، من يسافر للخارج يجد أن المحال تغلق مبكراً، تبقى المطاعم ومحلات البقالة والصيدليات، وحتى هذه لا تبقى لساعات متأخرة، فالمطاعم لا تفتح لما بعد ساعات العَشَاء المعتاد، بل تغلق بعد منتصف الليل بساعة أو اثنتين. والفكرة عندهم تقوم على أن هناك ساعات للعمل وساعات ليمارس من يعمل حياته، لكننا هنا وباعتبار أن جل من يعمل هم وافدون، بمعنى أنهم أتوا من أجل هدف محدد وهو العمل، فأخذ منا من يتوسع في ساعات العمل لتشغل معظم ساعات النهار! وبغض النظر، إن كان من يعمل مواطنا أو مقيما فنظام العمل لا يفرق بين الاثنين؛ فمواده واضحة في تحديد ساعات العمل دون تفريق بناء على الجنسية أو النوع.
إذاً، فتحديد ساعات للإغلاق أمر سيزيل ظاهرة شوهت حياتنا الاجتماعية، وجعلت البعض منا يتجاوز على من هم تحت كفالته بأن يدفهم دفعاً للعمل لساعات طويلة، فشطبوا من حياتهم أية أنشطة إثرائية، فمنهم من اتى لبلادنا وأقام فيها سنوات لكنه لم يعرفها ولم يتعرف على أهلها، كما أن تحديد ساعات إغلاق المحلات سيعيد لنا حياتنا التي افتقدناها نتيجة لاختطاف الأسواق لها، فحالياً لن يعتبره أحد منظراً غير مألوف أن تدخل إلى "سوبرماركت" عند الحادية عشرة ليلاً لتجده يعج بالمتسوقين وقد تجد أسراً تصطحب أطفالها، وتجدك وجهاً لوجه أمام السؤال: كيف سيذهب الصغار إلى مدارسهم صباح الغد؟
وبعد الإقرار أن تحديد ساعات إغلاق المحال أمر حرج، نأتي للكيفية التي يمكن أن ننفذ بها هذا التطلع، بعد أن أخذ نظامنا الاجتماعي يرتكز على العمل حتى الخامسة، ثم انجاز بعض الأنشطة الاجتماعية بين المغرب والعشاء، والانطلاق للسوق عقب العشاء، وبعدها وقت لقضاء في الزيارات وفي الاستراحات. ومن حيث المبدأ، فلن تجد إجمالاً من يعارض تحديد وقت لإغلاق المحال، لكن ستجد جدلاً حول "أي ساعة تحديداً؟"، و"لماذا التاسعة؟"، وفيما يتعلق بالتنفيذ، فلا بد من توعية الناس بما نحن مقدمون عليه، وما المحلات التي ستغلق تحديداً، وما المحلات أو الأنشطة المستثناة وإلى أي ساعة سيكون الاستثناء؟.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن بلادنا واسعة، وأن التاسعة ليلاً في شرق البلاد غير التاسعة ليلاً في غربها، فالفارق في وقت الفجر بين الدمام وجدة يقارب الساعة (خمسون دقيقة تحديداً)، مما يعني أن تطبيق الاغلاق عند ساعة محددة على جميع أنحاء المملكة أمر يتعذر، إلا إذا رُبِط بوقت المغرب، كأن نقول على سبيل المثال: تغلق المحال بعد مغيب الشمس بثلاث ساعات، وقد يستوجب هذا الأمر دراسة ملاءمة فتوى من الجهات المخولة ليؤذن للعشاء بعد المغرب بثلاث ساعات، وفي حال تحقق ذلك تغلق المحال مع أذان العشاء.
لكن ما الذي سيفعله الناس (عمال ومتسوقون) بعد الذهاب لبيوتهم مبكراً؟، لعلنا بحاجة للتفكر في تهيئة بدائل اجتماعية وثقافية ورياضية لاستغلال الوقت المتاح أفضل استغلال، ولعلها فرصة سانحة لإطلاق مبادرة للتريض بما قد يسهم في التخفيف من انتشار السمنة والأمراض المزمنة المصاحبة لها، ولا بد كذلك من توفير أنشطة للعمالة الوافدة بما يرتقي بنوعية تجربة العمل والإقامة في المملكة، بل يمكن القول إن الاهتمام بإطلاق برامج ترفيهية سيعزز مستوى الرضا لديهم ويرتقي بمستوى الإنتاجية، ومن ناحية أخرى فإن إتاحة قنوات للترويح (بما ينسجم مع قيم بلدنا وأعرافها) سيؤدي لمزيد من الانفاق، فالوضع القائم حالياً، أننا نسدّ أية فرصة لينفق العامل الوافد أياً مما يكسبه هنا، بل نهيئ له كل السبل والطرق لتحويل المال سريعاً للخارج!
أعود لأقول، لعل الوقت الأكثر ملاءمة لإغلاق المحلات هو مع حلول المغرب، أي مع نهاية النهار وقدوم الليل، لكن تحقيق ذلك من الناحية العملية متعذر، نتيجة لصعوبة الأحوال الجوية لما يزيد عن ستة أشهر من السنة في معظم مدن المملكة، نتيجة للحرارة القائظة والرطوبة العالية، مما يجعل التسوق غير ممكن، بل ضربا من ضروب العذاب، في الأماكن المكشوفة صيفاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق