الأربعاء، 6 أغسطس 2014

لمحات من سورة التحريم في العلاقات الأسرية 2

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(1)

شرعت السورة بنداء النبي "يا أيها النبي.." وفي القران ثلاث سور بدأت بهذا النداء وكأصل موضوعي يجب ان يقال.. عادة   السور التي مطلعها واحد مشتركة في المضامين و المعاني .. كالمسبحات السبعة   والحواميم السبع   وهذا بعض السور التي مطلعها واحد كإنا أنزلناه و"إنا أعطيناك الكوثر" و"انا فتحنا لك فتحا مبينا"  مضامينها  متقاربة  وهنا  سورة الطلاق والتحريم والأحزاب أيضا بدأت بـ "يا أيها النبي.." ولعل وجه الاشتراك بين السورتين لخطاب زوجات النبي (ص)بأحكام تخص حياة النبي (ص)العائلية والمنزلية والزوجية. ثم وجود آية التطهير التي تخص بيت  العصمة و الطهارة بهذا الوسام الإلهي " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"   للمقارنة بين بيت النبي (ص)وزوجاته و بيت التطهير البيت الذي كان جميع أفراده يتمتعون بالطهارة.
ولعل نداء النبي(ص)بهذا الاسم  "يا أيها النبي..." للإشعار والإلقاء في الذهن انه منبأ من عند الله و انه وثيق الاتصال بعالم الغيب ويتلقى الأخبار من اللطيف الخبير.
 فإذا كنا أنا وأنت نحتاج إلي دليل عقلي وبرهاني وعلمي للايمان بارتباط النبي(ص) بعالم الغيب فلا شك ان من عايشه  لا يحتاج إلي ذلك.
لقد حرم النبي (ص)على نفسه شيئا مباحا وهذا تضيقا على نفسه الشريفة (ص)وهو وان كان في حده نفسه جائز أي يجوز للإنسان أن يحرم على نفسه بالنذر أو القسم، أو يلزم نفسه بأمر مستحب أو مباح ولكن الآيات لم تفصل في هذا الأمر ما هو وان كانت الآيات التي بعدها توضح علة التحريم.
"تبغتي مرضات أزواجك" لماذا طلب النبي (ص)رضاء بعض زوجاته؟ هل لكي يستميل قلبها إليه؟أم أن هناك شيء آخر .من يقرا السورة يدرك وبوضوح أن طلب رضاء زوجاته أو بعض زوجاته أو بصريح الآيات" اثنتي من زوجاته بالخصوص " لان الخطاب يأتي بصيغة المثنى"أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبرائيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير"   
ثم التعريض في الآيات التي بعدها"عسى ربه أن طلقكن أن بيدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا"لم يكن النبي (ص)في  طلب رضاهما يريد استمالة لقلبيهما .إذ الآيات بعد ذلك تهددهما وتوبخهما وتؤكد فساد قلبيهما وخروجوها عن الصلاح و طلب رضاء القلوب الفاسدة يتنافى ومقام الولاية الإلهية الذي وصل إليه رسول الله (ص). ويمكن توضيح ذلك ببيان مسألة وهي أن الإنسان كثيرا ما يقوم بعمل معين لإرضاء إنسان آخر  للخلاص منه ومن أذيته خصوصا في الحياة العائلية و الزوجية .. والتجربة شاهد على ذلك .. لأنك قد تختلف مع إنسانا لست مضطرا للعلاقة معه فتقطعه أو تبتعد عن موارد الاحتكاك به. ولكن في الحياة الأسرية الأمر آخر.. خصوصا" الحياة الزوجية لأنه لامناص من كثره الاحتكاك والاتصال والارتباط.
 قد ترضي الطرف الآخر للخلاص منه والخروج من الجو الضاغط والاختناق الذي يوجده فطلب الرضاء هنا لا موضوعية له في نفسه فليس للرسول (ص)وانما هو للخلاص من أذيتهما . الآيات تؤكد هذا المعنى لانها مباشرة بعد ذلك يخاطب الزوجتين أن أمركما يدور بين التوبة أو الطلاق .
فقد يقال أن إذاء رسول الله و النبي الأكرم(ص) بالكلام والتظاهر داخل البيت أمرا منافيا للأخلاق ليس إلا فلماذا الخطاب الشديد العنيف الإلهي ؟ لماذا التهديد والوعيد الإلهي ؟
فنقول أولا أن إيذاء النبي بما هو نبي هو من اكبر الكبائر مخصوصا لمن يعاشره ويلمس منه اكمل الفضائل واجل الخصائل.. وإيثار الآخرين والحرص على مصالحهم والسعي لصلاحهم بكل رحمة ولطف ومحبة.وطبيعة العشرة العائلية والمنزلية تظهر باطن الإنسان الذي يخفيه عن الآخرين وتكتشف سريرته التي ربما لا يشعر بها الناس فان كان الباطن خيراً ورحمةً ومفتاحاً للبركة فان أول من يتمتع بذلك ويشعر به ويستفيد منه هم أهل بيته. وان كان والعياذ بالله الأمر خلاف ذلك فالأمر بالعكس والنبي محمد (ص)اكمل البشرية قد استوى على الخلق العظيم و تربع على جميل الخصائل فلا يرشح عنه إلا الهداية و النور وهذا لا يحتاج إلى كثير  من التأمل فهو سراج  منير كما نص القران أي فضائله واضحة في كل شؤونه فمن ذا يستطيع أن يؤذيه ويتظاهر على إيذائه ويصر على ذلك .
ثانيا أن اكثر انحرافات البشر من سوء طباعهم . يقول السيد القائد في معرض كلامه عن العوامل المؤثرة في حركة التاريخ أن أحدها الطبائع و الأخلاق والصفات والرغبات الجامحة الغير سليمة ثم يضرب لذلك مثلا لزوجة النبي هذه "التي نص التاريخ والنقولات الروائية من كلا الطرفين ان المخاطب في الآيات هما أمي المؤمنين عائشة وحفصة" يقول ما مفاده لقد قادت شريحة كبيرة من المسلمين وحركتهم لمواقف سياسية كان لها الأثر البالغ على واقع الأمة الإسلامية واحد أسباب ذلك وبواعثه طبيعتها الأخلاقية ...
ولا غرو في أن يطلب النبي(ص)رضاها  ثم إذا كان الخليفة الثاني الذي عرف بالقسوة و الغلظة ليسعى بشتى السبل لارضائها..فيخصها بالعطاء ويؤثرها على جميع المسلمين نساءا" ورجالا" يتحاشى بذلك غضبها وسخطها   وهو الذي عرف عنه انه لا يخاف أحدا ولا يتقي أحدا فكيف به"(ص)الذي لا يريد أن يثير مشاكل من الداخل في الأجواء الاجتماعية الإسلامية ولا يسعه الوقت ليفجر الوضع الداخلي .. ومن قراءة حياة النبي(ص)وكيفية إدارته لشؤون أمته يلمس ذلك وهو العالم بشان هذه المرأة وأنها ستكون من صناع التاريخ واصحاب القرار...

ليست هناك تعليقات: