السؤال الذي لم تطرحه المقالة السابقة هو: هل الحقيقة ثابتة أبدية كما تذهب إلى ذلك الميتافيزيقا أم أنها خاضعة لقانون التطور حسب الظروف المحيطة بها ماديا ومعرفيا فتكون متغيرة أو متطورة؟
الحقيقة لا تتحدد بارادة الناس ورغباتهم وأمانيهم بل الذي يحددها هو محتوى الشيء المنعكس.. وهنا ينطرح مفهوم «الحقيقة الموضوعية» التي تعني مبدأ التساؤل عن التصورات الفردية أو الجماعية.. هل هي حقائق موضوعية باعتبار القناعة بها فرديا وجماعيا؟ كلا.. فهي ليست في منأى عن الخرافات والعقائد «الضالة» واذن ما هو المعيار الذي نميز تحت ضوئه التصورات الصائبة والخاطئة؟
المعيار هو قربها أو بعدها عن تحقيق إنسانية الإنسان فاذا حققت تلك التصورات شروط الحياة ومنح الانسان حقوقه الطبيعية والحضارية وحسب الظروف المادية والروحية وتطور المعرفة فهي تصورات صائبة أما اذا كانت بعيدة عن تلك «القيم» فهي تصورات ضالة.
من الواضح أننا لا نتكلم عن الأشياء التي يمكن اخضاعها للتجربة فليس بعد التجربة من دليل مهما كان مقنعا، بل ان الأشياء تلك التي تخضع للتجربة يلقي حولها بعض الفلاسفة ضبابا من الشك في معرفة ذواتها أو معرفتها كما هي.
يقول الفارابي:
«الوقوف على حقائق الأشياء ليس في قدرة البشر. ونحن لا نعرف من الاشياء إلا الخواص واللوازم والأعراض ولا نعرف الفصول المقومة لكل منها».
اما باركلي «1685 - 1753» وأمثاله فقد زادوا الطين بلة، فباركلي - مثلا - يشعر بعدم حقيقة العالم الحسي ويقول: «كل شيء يدين بوجوده للادراك الحسي وليس له وجود في ذاته».
ما قاله الفارابي وباركلي يتعلق بالأشياء الموضوعية التي يمكن اخضاعها للتجربة، فما ظنك بالتصورات الذاتية الذهنية التي خارج الواقع أو الساكنة هناك في المطلق؟
ما تقدم كله توطئة للسؤال التالي:
ما هي القيم التي تحملها تصورات داعش واخواته الكثيرات؟ وهل يمكن وصفها بالانسانية؟! اظن أن الجواب واضح، فبعد تلك التصورات عن القيم الانسانية كلها تبرهن عليه صور الذبح والسبي وما تأنف عن فعله حتى الوحوش الكاسرة.
لكن السؤال الأهم والذي يحتاج إلى كتب هو: ما هي الجذور التي تفرع منها داعش واخواته الكثيرات؟

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق