السبت، 24 مايو 2014

الثالث المرفوع

لست معنيا بالمعنى الفلسفي لهذا العنوان «الثالث المرفوع» سأترك ذلك للفلاسفة من أرسطو حتى آخر الفلاسفة الذي لا اعرف اسمه.
قانون «عدم ارتفاع النقيضين» أصاب كل الثقافات بالعمى الفكري لقرون عديدة.. وقد تخلصت منه الفلسفة الحديثة، ففتحت أبواب الاحتمال والبين بين.. ولكن ما نصنع نحن الذين نعتبر الفلسفة رجسا من عمل الشيطان؟!
نحن حتى الآن نؤمن إيمانا مطلقا بالثالث المرفوع.. هذا الذي خلفته الفلسفة وراءها، ويكذبه الواقع الإنساني المعقد يوما بعد يوم.. وهذا ما يشعل بيننا جحيم المنازعات المتناحرة والصراعات التي لا تنتهي حتى لو غصت الأرض بالأشلاء.
هذا الربيع العربي الذي كنا ننتظره انتظار فيروز للقمر.. وهذا الذي حلمنا بأزهاره وأنهاره المتدفقة فكريا وجماليا وابداعا ورخاء.. هذا الربيع يبدو لنا الآن مفعما بكهوف التاريخ وخرافات الزمن العصيب وذهنية ذاك الذي قال:

ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين او القبر

الصدر ليس لك أيها السادر في وديان الوهم.. أما القبر فهو ينتظرك وإن كنت لا تحتاج إلى قبر، فأنت كما قال الشاعر القديم (انت ميت في جسمه مدفون).
قانون "عدم ارتفاع النقيضين" هذا القانون الذي مات منذ زمن بعيد ما زال حتى الآن مسيطرا على معظم الذهنيات في عالمنا العربي البائس، لقد أصبح حتى عند أصحاب المرجعية الواحدة يتكلم بلسان الأحزمة الناسفة والخناجر المنقضة على الظهور.
في تاريخنا نقطة مضيئة هي وقوف الخليفة عمر بن الخطاب ضد هذا القانون، حيث أوقف حد السرقة في عام الرمادة.. ومن العجب الذي يستبد بك وتحار هل تضحك أو تبكي؟ ذلك الذي يصفعك عند الاطلاع على مواقع الإسلام السياسي، وترى عشرات التبريرات التي تقسم بأن الخليفة لم يوقف حد السرقة.. لأن الحد هو شرع الله ولا يمكن لأحد أن يوقفه.
ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني ان هؤلاء يعتنقون الأفكار منفصلة عن الواقع فتبقى مثل غرس في الفضاء.. إنهم ينسون قول أحد فقهائهم الكبار «حينما تكون المصلحة فثم شرع الله».
وعسير عليهم أن يعرفوا المصلحة، لأنها وليدة الواقع البشري وهم لا يعترفون بالواقع.. ويبقى صوت عمنا مدويا:

أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

ليست هناك تعليقات: