شدد سماحة حجة الإسلام الشيخ عبد الله النمر على أنّ الدعاء هو نحو من الوصف لله تعالى، لذا فإن الله منزّه عن كلّ وصف سوى وصف العارفين به وعلى رأسهم أهل البيت (ع) الذين أسسوا مدرسة الدعاء التي تعيد صياغة الإنسان حين تلامس أعماقه بعد أن تفهم حقيقته فهما حقيقيا، بخلاف المدارس المادية التي تنطلق من فهم خاطئ للإنسان، لذا فإن معالجتها لشؤونه ستكون ناقصة ومغلوطة.
وابتدأ سماحته الخطبة تاليا الآية الكريمة ( سبحان الله عما يصفون * إلا عباد الله المخلَصين). ثم شرع سماحته في الحديث قائلاً: نحن إذ نعيش هذا الموسم الإلهي الخاص، أَشهُرَ الدُّعاء والعلاقة مع الله والمسير إليه، فما أحوجنا إلى الاستهداء بالعارفين بالله لكي نهتدي إلى سبيل الدعاء، وأن نسترشد بهم في كل نحو من أنحاء العلاقة مع الله، مؤكداً أنّ كلّ نحو من العبادة هو وصف لله تعالى.
وأضاف مبينا معنى الوصف: الوصف ليس فقط أن ننسب إلى الله فنقول: الله كريم، الله حليم، بل حتى في لغة الدعاء والطلب نحتاج إلى الاستهداء بهم (ع).
• صياغة الدّعاء
يروى أنّ رجلا اسمه عبد الرحيم القصير دخل على أبي عبد الله الصادق (ع) فقال: " إني اخترعت دعاءاً، فقال له الإمام: دعني من اختراعك". وهذا موقف بات جازم، حتى لم ينظر فيما اخترعه الرجل من دعاء، لأن هذه الأمور لا تسلك بالابتداعات والاختراعات.
وفي موقف آخر قال لرجل: قل: يا مقلّب القلوب، فقال الرجل: يا مقلب القلوب والأبصار، فقال أنا أدري أنّ الله مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول. قد لا نستطيع أن نستوعب هذا الانضباط ولماذا لا تذكر هذه اللفظة، لعل طبيعة الدعاء ربما تقتضي حالة خاصة أو حالة عامة، ولكن من المعلوم أنه إنما يتقرب إلى الله عز وجل بما يهتدي إليه المهتدون العارفون الواصفون لله وجل.
وفي القرآن الكريم كثير من الآيات تجل الله عز وجل وترفعه وترفع شأنه عن أن يكون موضوعا لوصف الواصفين: تعالى الله عز وجل عما يصفه الواصفون إلا عباد الله المخلَصِين.
• شرائط ظرفيّة
من هذا المنطلق نقول أن هناك عدة أمور يجب أن نستحضرها حين نمثل بين يدي الله عزّ وجل، كيف ندخل في مدرسة الدعاء الإلهية التي أنشأها أهل البيت (ع)؟ هناك آداب كثيرة يضيق الوقت عن أن نستعرضها كلها، نذكر منها سردا مجموعة من العناوين:
- يستحب الوضوء والاستقبال واجتماع المؤمنين، وهذا ليس في كلّ الحالات، فهناك حالات للمناجاة، وهناك ظروف ابتهال، وهناك ظروف توسل، وهذه ليست ألفاظا تشير إلى حالة واحدة، وإنما تتفاوت بتفاوت أحوال الإنسان وأوضاعه، ولكل حالة خصائص.
- ولكن بالإجمال هناك آداب عامة يحسن الالتزام بها في التعامل مع الله عزّ وجلّ في باب الدعاء، كرفع الأكف والضراعة، وأيضا هذا له آداب وفنون وأساليب متفاوتة، هناك روايات تصف كيفية رفع الأيدي بكيفيات متفاوتة بحسب تفاوت حالات الإنسان.
- هناك البكاء، اختيار المكان والزمان الخاصين، فواضح أن الدعاء في المساجد، الدعاء في أماكن خاصة، حتى في المنزل، يستحب تخصيص مكان خاص يكون هادئا.
- الزمان، واضحٌ أيضا أن هناك أن هناك ظروف زمانية أفضل من ظروف زمانية أخرى.
• حقيقة الدعاء
- هذا في الهيئة العامة، لكن في حقيقة وموقعية الدعاء الذي وصفته الروايات بأنه مخّ الإيمان ومخ العبادة ليس هذا، الله سبحانه وتعالى يقول (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ).
- الدعاء ليس مجرّد أمور شكلية وظرفية وإنما للدعاء موقعية وحقيقة يستحق من أجلها الجهد لفهمه والوقوف على حقيقته. هذا الدعاء الذي وعدنا بأن " من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة"، ولكننا قد نسأل: لماذا ندعوا ولا نجاب؟!، وهذا لأننا لا نعرف حقيقة الدعاء.
- أمير المؤمنين (ع) يقول لابنه الحسن (ع): اعلم أنّ الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لك في دعائه وتكفل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه.. ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه".
- حقيقة الدعاء هو في التضرع إلى الله عز وجل، هو في استثارة واقع الفقر البشري. فالإنسان هو في هذا الوجود أمامه خياران، إما أن يعيش الفقر والتضرع وإدراك موقعيته أمام الله عز وجل، أن يعرف أنه كلّه ليس إلا حاجة وفقر وارتباط بالله عز وجل، أو أن يعيش التمرد والاستقلالية والتكبر، وحالة الانفصام عن الله عز وجل.
• حقيقة الإنسان
- هاتان الحالتان ليستا أمرا عمليا ظاهريا بينا، بل هما حالتان تغوران في أعماق الإنسان، الدعاء هو الذي يصوغ الإنسان الصياغة الحقيقية، هو الذي يعالج أعماق الإنسان، بالدعاء والاستكانة بين يدي الله، وبالخضوع والإقرار بالذنب. يعلمنا أهل البيت (ع) في أدعيتهم أن نقول هكذا: " إلهي إن كان قد دنا أجلي ولم يقربني منك عملي ، فقد جعلت الاعتراف بالذنب إليك وسائل عللي".
• سلاح المؤمن
- المؤمن ليس دفاعه المنطق والدفاع والحجة، وإنما الاستسلام والإقرار والاعتراف والمسكنة والبكاء والتذلل بين يدي الله عز وجل. إذا استطاع الإنسان أن يعالج ما في أعماقه من غرور وكبرياء واستقلالية واستبداد، لاحظوا إخواني أنّ هذا المعنى في غاية الخظورة لأنه كثيرا ما يقال هذه الأيام من خلال الدراسات وأساليب التربية الحديثة المختلّة أنه يراد تنشئة الإنسان تنشئة المعتد الواثق بنفسه، القائم بذاته.
- نعم، هذا الكلام صحيح إذا أدركنا حقيقة الإنسان، وبعد أن نعرف حقيقة قوة الإنسان، وهي معرفة ضعفه أمام الله. يجب أن ندرس في مدرسة أهل البيت (ع) حقيقة النفس الإنسانية، حقيقة قوام الإنسان، وحقيقة جماله، هي في الخضوع لله عز وجل، في معرفة الإنسان فقره وفاقته، ومعرفته ضعفه واستكانته أمام الله عز وجل.
- كل حالة من الاستقلالية والوثوق والاعتداد بالنفس لا تنطلق من هذا المنطلق هي حالة خور واستبداد واستعلاءٌ أجوف، أمير المؤمنين (ع) قدم النموذج الأتم في القوة والمتانة والغلبة، ولكنها قوة في لين، كما يصف هو (ع).
- الدعاء يأتي ليعالج البناء الإنساني وليصقل فطرة الإنسان بالطريقة التي يريدها الله عز وجل، والتي تتوافق مع بناء الإنسان وحقيقته، وهذا اللون من الصياغة وهذه الطريقة من البناء والإصلاح الإنساني تفردت به أدعية أهل البيت (ع). هذا المصنع الإنساني الخاص لا يوجد إلا من خلال زبور آل محمد (ص).
- الدراسات الإنسانية تحاول أن تستكشف آفاق الإنسان، ولكن من المعروف أنه من عرف نفسه عرف كل شيء، فمهما تكن الدراسات دقيقة وميدانية وتجريبية ومستوعبة، إلا أنها بلا شك سوف تكون ناقصة، لأن المعطيات من خلال التجربة سوف تكون خاضعة لتحليل الإنسان، إذا كان الإنسان هو فيه خلل، إذا كان الدارس نفسه قاصرا ومقصرا، فكيف به أن يعرف حاجات الآخرين، كيف له أن يحيط بالطريقة الصحيحة لمعالجة نفس الإنسان؟!.
إذاً، العارف بحاجة الإنسان، القادر على معالجة الفطرة الإنسانية، إنما هي هذه المدرسة التي ما بخلت علينا بأن وضعت بين أيدينا هذه الأدعية.
• الغوص في المعاني
- أستطيع أن أخلص إلى هذا المعنى: أن حقيقة الدعاء إنما هي في الغور والتفاعل مع هذه المعاني، الدعاء ليس قراءة نصية وحفظا للألفاظ، وليس الاجتماع وتكرار المصطلحات، الدعاء أن تعيش في حقيقة هذه الألفاظ مهما كانت قليلة.
- لعلّه يُفهِمُنَا هذا المعنى أنّ اسم الله الأعظم الذي تفتتح به أبواب السموات والأرض هو أقرب إلى ( بسم الله الرحمن الرحيم) من سواد العين إلى بياضها، هذا يعني أن اسم الله الأعظم هو بين أيدينا وكلنا نجييد أن نقول ( بسم الله الرحمن الرحيم) ونقارب اسم الله الأعظم من خلال البسمله، لكن من الذي يستطيع أن يبلغ؟
- هذه البسمله تنطوي على كل ما في اسم الله الأعظم من خير وبركه، نحتاج إلى توجه وصدق وشفافية وروحانية لفتح هذه الكنوز، تريد من يعيش اسم الله الأعظم من خلال السملة، أن يتوجه الإنسان بقلبه بصدق وشفافية وروحانية إلى الله بأن يقول " يا علي يا عظيم"، هذه تفتح أمامه آفاق وأحاسيس ومشاعر، تصوغ حقيقة نفسه فيشعر بحالة من الصغر والذلة والمسكنة بين يدي الله تعالى من جهة، وبالعظمة والاستعلاء والقوة تجاه العالم، وتجاه كل القوى العالمية، هذا الإنسان المتوازن المعتدل الذي يمثل كمال التوازن البشري، وهو إنما يمكن أن يتحقق من خلال التوجه إلى الله عزّ وجل ومن خلال الدعاء.
- وهذه الأيام هي ظرف خاص، ومدد خاص من الله عزّ وجل لعباده الصالحين، إذا كنا أضعنا الكثير من الأوقات، وأصبنا أنفسنا بالكثير من الاختلالات، فنحن نمتلك مدة خاصة نحظى بها بعطاءات إلهية ونفحات ربانية يمكن أن يكون فيها منجانا، فنرجو من الله أن لا تتفلت من أيدينا هذه الدقائق والساعات وهذه المدرسة وهذه العطاءات الإلهية التي جرت على لسان أهل البيت (ع)، وأن لا نخرج من هذه المدرسة خالي الوفاض، نرجو من الله أن يلطف بنا الله تعالى وأن لا يتركنا لأنفسنا طرفة عين أبدا. وأن يجعل لنا إلى أهل بيته (ع)، وسيلة ومدرسة وهداية ورشادا، والحمد لله رب العالمين. يه، فما أحوجنا إلى الاستهداء بالعارفين بالله لكي نهتدي إلى سبيل الدعاء، وأن نسترشد بهم في كل نحو من أنحاء العلاقة مع الله، مؤكداً أنّ كلّ نحو من العبادة هو وصف لله تعالى.
وأضاف مبينا معنى الوصف: الوصف ليس فقط أن ننسب إلى الله فنقول: الله كريم، الله حليم، بل حتى في لغة الدعاء والطلب نحتاج إلى الاستهداء بهم (ع).
• صياغة الدّعاء
يروى أنّ رجلا اسمه عبد الرحيم القصير دخل على أبي عبد الله الصادق (ع) فقال: " إني اخترعت دعاءاً، فقال له الإمام: دعني من اختراعك". وهذا موقف بات جازم، حتى لم ينظر فيما اخترعه الرجل من دعاء، لأن هذه الأمور لا تسلك بالابتداعات والاختراعات.
وفي موقف آخر قال لرجل: قل: يا مقلّب القلوب، فقال الرجل: يا مقلب القلوب والأبصار، فقال أنا أدري أنّ الله مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول. قد لا نستطيع أن نستوعب هذا الانضباط ولماذا لا تذكر هذه اللفظة، لعل طبيعة الدعاء ربما تقتضي حالة خاصة أو حالة عامة، ولكن من المعلوم أنه إنما يتقرب إلى الله عز وجل بما يهتدي إليه المهتدون العارفون الواصفون لله وجل.
وفي القرآن الكريم كثير من الآيات تجل الله عز وجل وترفعه وترفع شأنه عن أن يكون موضوعا لوصف الواصفين: تعالى الله عز وجل عما يصفه الواصفون إلا عباد الله المخلَصِين.
• شرائط ظرفيّة
من هذا المنطلق نقول أن هناك عدة أمور يجب أن نستحضرها حين نمثل بين يدي الله عزّ وجل، كيف ندخل في مدرسة الدعاء الإلهية التي أنشأها أهل البيت (ع)؟ هناك آداب كثيرة يضيق الوقت عن أن نستعرضها كلها، نذكر منها سردا مجموعة من العناوين:
- يستحب الوضوء والاستقبال واجتماع المؤمنين، وهذا ليس في كلّ الحالات، فهناك حالات للمناجاة، وهناك ظروف ابتهال، وهناك ظروف توسل، وهذه ليست ألفاظا تشير إلى حالة واحدة، وإنما تتفاوت بتفاوت أحوال الإنسان وأوضاعه، ولكل حالة خصائص.
- ولكن بالإجمال هناك آداب عامة يحسن الالتزام بها في التعامل مع الله عزّ وجلّ في باب الدعاء، كرفع الأكف والضراعة، وأيضا هذا له آداب وفنون وأساليب متفاوتة، هناك روايات تصف كيفية رفع الأيدي بكيفيات متفاوتة بحسب تفاوت حالات الإنسان.
- هناك البكاء، اختيار المكان والزمان الخاصين، فواضح أن الدعاء في المساجد، الدعاء في أماكن خاصة، حتى في المنزل، يستحب تخصيص مكان خاص يكون هادئا.
- الزمان، واضحٌ أيضا أن هناك أن هناك ظروف زمانية أفضل من ظروف زمانية أخرى.
• حقيقة الدعاء
- هذا في الهيئة العامة، لكن في حقيقة وموقعية الدعاء الذي وصفته الروايات بأنه مخّ الإيمان ومخ العبادة ليس هذا، الله سبحانه وتعالى يقول (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ).
- الدعاء ليس مجرّد أمور شكلية وظرفية وإنما للدعاء موقعية وحقيقة يستحق من أجلها الجهد لفهمه والوقوف على حقيقته. هذا الدعاء الذي وعدنا بأن " من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة"، ولكننا قد نسأل: لماذا ندعوا ولا نجاب؟!، وهذا لأننا لا نعرف حقيقة الدعاء.
- أمير المؤمنين (ع) يقول لابنه الحسن (ع): اعلم أنّ الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لك في دعائه وتكفل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه.. ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه".
- حقيقة الدعاء هو في التضرع إلى الله عز وجل، هو في استثارة واقع الفقر البشري. فالإنسان هو في هذا الوجود أمامه خياران، إما أن يعيش الفقر والتضرع وإدراك موقعيته أمام الله عز وجل، أن يعرف أنه كلّه ليس إلا حاجة وفقر وارتباط بالله عز وجل، أو أن يعيش التمرد والاستقلالية والتكبر، وحالة الانفصام عن الله عز وجل.
• حقيقة الإنسان
- هاتان الحالتان ليستا أمرا عمليا ظاهريا بينا، بل هما حالتان تغوران في أعماق الإنسان، الدعاء هو الذي يصوغ الإنسان الصياغة الحقيقية، هو الذي يعالج أعماق الإنسان، بالدعاء والاستكانة بين يدي الله، وبالخضوع والإقرار بالذنب. يعلمنا أهل البيت (ع) في أدعيتهم أن نقول هكذا: " إلهي إن كان قد دنا أجلي ولم يقربني منك عملي ، فقد جعلت الاعتراف بالذنب إليك وسائل عللي".
• سلاح المؤمن
- المؤمن ليس دفاعه المنطق والدفاع والحجة، وإنما الاستسلام والإقرار والاعتراف والمسكنة والبكاء والتذلل بين يدي الله عز وجل. إذا استطاع الإنسان أن يعالج ما في أعماقه من غرور وكبرياء واستقلالية واستبداد، لاحظوا إخواني أنّ هذا المعنى في غاية الخظورة لأنه كثيرا ما يقال هذه الأيام من خلال الدراسات وأساليب التربية الحديثة المختلّة أنه يراد تنشئة الإنسان تنشئة المعتد الواثق بنفسه، القائم بذاته.
- نعم، هذا الكلام صحيح إذا أدركنا حقيقة الإنسان، وبعد أن نعرف حقيقة قوة الإنسان، وهي معرفة ضعفه أمام الله. يجب أن ندرس في مدرسة أهل البيت (ع) حقيقة النفس الإنسانية، حقيقة قوام الإنسان، وحقيقة جماله، هي في الخضوع لله عز وجل، في معرفة الإنسان فقره وفاقته، ومعرفته ضعفه واستكانته أمام الله عز وجل.
- كل حالة من الاستقلالية والوثوق والاعتداد بالنفس لا تنطلق من هذا المنطلق هي حالة خور واستبداد واستعلاءٌ أجوف، أمير المؤمنين (ع) قدم النموذج الأتم في القوة والمتانة والغلبة، ولكنها قوة في لين، كما يصف هو (ع).
- الدعاء يأتي ليعالج البناء الإنساني وليصقل فطرة الإنسان بالطريقة التي يريدها الله عز وجل، والتي تتوافق مع بناء الإنسان وحقيقته، وهذا اللون من الصياغة وهذه الطريقة من البناء والإصلاح الإنساني تفردت به أدعية أهل البيت (ع). هذا المصنع الإنساني الخاص لا يوجد إلا من خلال زبور آل محمد (ص).
- الدراسات الإنسانية تحاول أن تستكشف آفاق الإنسان، ولكن من المعروف أنه من عرف نفسه عرف كل شيء، فمهما تكن الدراسات دقيقة وميدانية وتجريبية ومستوعبة، إلا أنها بلا شك سوف تكون ناقصة، لأن المعطيات من خلال التجربة سوف تكون خاضعة لتحليل الإنسان، إذا كان الإنسان هو فيه خلل، إذا كان الدارس نفسه قاصرا ومقصرا، فكيف به أن يعرف حاجات الآخرين، كيف له أن يحيط بالطريقة الصحيحة لمعالجة نفس الإنسان؟!.
إذاً، العارف بحاجة الإنسان، القادر على معالجة الفطرة الإنسانية، إنما هي هذه المدرسة التي ما بخلت علينا بأن وضعت بين أيدينا هذه الأدعية.
• الغوص في المعاني
- أستطيع أن أخلص إلى هذا المعنى: أن حقيقة الدعاء إنما هي في الغور والتفاعل مع هذه المعاني، الدعاء ليس قراءة نصية وحفظا للألفاظ، وليس الاجتماع وتكرار المصطلحات، الدعاء أن تعيش في حقيقة هذه الألفاظ مهما كانت قليلة.
- لعلّه يُفهِمُنَا هذا المعنى أنّ اسم الله الأعظم الذي تفتتح به أبواب السموات والأرض هو أقرب إلى ( بسم الله الرحمن الرحيم) من سواد العين إلى بياضها، هذا يعني أن اسم الله الأعظم هو بين أيدينا وكلنا نجييد أن نقول ( بسم الله الرحمن الرحيم) ونقارب اسم الله الأعظم من خلال البسمله، لكن من الذي يستطيع أن يبلغ؟
- هذه البسمله تنطوي على كل ما في اسم الله الأعظم من خير وبركه، نحتاج إلى توجه وصدق وشفافية وروحانية لفتح هذه الكنوز، تريد من يعيش اسم الله الأعظم من خلال السملة، أن يتوجه الإنسان بقلبه بصدق وشفافية وروحانية إلى الله بأن يقول " يا علي يا عظيم"، هذه تفتح أمامه آفاق وأحاسيس ومشاعر، تصوغ حقيقة نفسه فيشعر بحالة من الصغر والذلة والمسكنة بين يدي الله تعالى من جهة، وبالعظمة والاستعلاء والقوة تجاه العالم، وتجاه كل القوى العالمية، هذا الإنسان المتوازن المعتدل الذي يمثل كمال التوازن البشري، وهو إنما يمكن أن يتحقق من خلال التوجه إلى الله عزّ وجل ومن خلال الدعاء.
- وهذه الأيام هي ظرف خاص، ومدد خاص من الله عزّ وجل لعباده الصالحين، إذا كنا أضعنا الكثير من الأوقات، وأصبنا أنفسنا بالكثير من الاختلالات، فنحن نمتلك مدة خاصة نحظى بها بعطاءات إلهية ونفحات ربانية يمكن أن يكون فيها منجانا، فنرجو من الله أن لا تتفلت من أيدينا هذه الدقائق والساعات وهذه المدرسة وهذه العطاءات الإلهية التي جرت على لسان أهل البيت (ع)، وأن لا نخرج من هذه المدرسة خالي الوفاض، نرجو من الله أن يلطف بنا الله تعالى وأن لا يتركنا لأنفسنا طرفة عين أبدا. وأن يجعل لنا إلى أهل بيته (ع)، وسيلة ومدرسة وهداية ورشادا، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق