يقول عمنا:
وشر ما قنصته راحتي قنص
شهب البزاة سواء فيه والرخم
عمنا كان يقصد بـالقنص «الجثة الخالدة» -حسب تعبير محمد الماغوط- التي هي الشعر.. الشعر كان لظروف اجتماعية واقتصادية هو الوظيفة الدعائية التي تملأ الجيوب، وكان الشعراء الواقفون بباب الخليفة ينتظرون الحاجب انتظار «راعي سنين تتابعت جدبا» لسحاب ماطر.
يظهر الحاجب مختالا مثل هلال العيد وينادي ليدخل الشاعر فلان.. فيدخل فلان وهو يغض الطرف، ثم ينثر شعره على مسامع الخليفة، فاذا كان ذا مزاج صاف أمر للشاعر المنتظر بجائزة تملأ عينيه، أما اذا كان مزاجه الكريم مظلما فويل للشاعر من عذاب الحرمان.
عمنا عبر عن هذا الواقع بألم المبدع، بفجيعة من يرى نفسه أقل من ظلها..فهو الذي قال:
ماذا جنيت من الدنيا واعجبه
اني بما انا باق منه محسود
وقال:
وما كان شعري مدحا له
ولكنه كان هجر الورى
لماذا نرفض موقفه المتوجع هذا باسقاط ما هاله علينا زماننا هذا من مفاهيم لم تكن في عصره، ولكنه أحس بها وعبر عنها.. فلماذا نصفه بالمتسول؟
منذ سل عليه الراحل عبدالله القصيمي سيوفه البلاغية الصارمة نرى بعض المثقفين يهرولون إلى رجمه بهذه الأوصاف.
يقول القصيمي:
«المتنبي كان فحشا نفسيا واخلاقيا وانسانيا ولغويا. كان مأساة تحولت إلى فحش وفحشا يفسر بمأساة، كان بلا ضمير وبلا رحمة أو حب أو عاطفة إنسانية وبلا حواجز أو زواجر اخلاقية أو نفسية أو فكرية.. كان وحشا إنسانيا يستحق الرثاء... إلخ».
هذه الصفات السوداء لو اطلقت على ابليس لمات فورا.. كلا لم يكن المتنبي متسولا أو وحشا، كان متمردا على كل الأوضاع الاجتماعية في وقته، وهذا ما تتطلبه كل أوصاف المثقف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق