الخميس، 16 أكتوبر 2014

فوضى منسية

تخيل أن تزور صاحباً لك في شقته. عند دخولك تجد أن الشقة فيها الكثير مما يسر الناظرين. غرفة الضيوف رائعة. الأثاث جميل، والتصميم عصري وأخاذ. المساحات شاسعة وتوزيع الغرف مريح جداً. ولكنك تتفاجأ أيضاً أن في الشقة قدراً كبيراً من الفوضى. بقايا طعام قديمة تفوح منها رائحة نتنة، غرف تعج بالثياب المرمية في كل مكان، دورات مياه غير نظيفة، جدران متشققة والعديد من مشاكل الصيانة في الكهرباء والسباكة مما يجعل الحياة في مثل هذه الشقة معاناة حقيقية. تبدي تعجبك لصاحبك، فيتعذر بأن عمال الصيانة وعدوه بالمجيء مراراً ولكنهم يخلفون وعدهم دائماً، وأن الخادمة كان مقرر لها أن تصل إلى البلاد منذ أشهر ولكن سبباً ما أجل وصولها، وهذا ما يفسر حالة الفوضى المزعجة في هذه الشقة الجميلة. غريب إهمال صاحبك، أليس كذلك؟ والآن تخيل أن تزور صاحبك هذا مرة أخرى بعد عامين لتجد أن حال شقته كما هو لم يتغير فيه شيء! بقايا الطعام والثياب المرمية ومشاكل الصيانة لا تزال موجودة كما وجدتها قبل سنتين! صدقني إن قلت لك أن الكثير منا يعيش في شقة مشابهة تماماً. شقة اسمها الحياة.
إن في شقة – حياة – كل واحد منا الكثير من الأمور الجميلة التي مَنّ الله بها علينا. وكذلك في شقة كل منا الكثير من الفوضى الموجودة منذ زمن دون أن نحرك تجاهها ساكناً. وما عليك سوى أن تدخل في «غرف» حياتك وتتأمل بهدوء وصدق مع نفسك لتجد أن بها أموراً لطالما أزعجتك ولطالما أهملتها.
تعال مثلاً لنتفقد غرفة «الأخلاق والفضيلة». أليس كل منا يطمح لعلاقة أسمى مع خالقه سبحانه وتعالى؟ ألا نحلم أن تكون صلاتنا وعبادتنا أكثر خشوعاً وتوجهاً؟ ألا نتمنى أن نتخلص من رذائل أنفسنا ونستبدلها بفضائل وأخلاق أرقى؟ ألا تؤرقنا فكرة الاستعداد ليوم مغادرتنا لهذه الدنيا؟
وفي غرفة «الصحة» نجد الكثير منا يعاني لسنوات من عادات ضارة وغير صحية. البعض يمارس التدخين منذ سنين دون هوادة وهو يعلم أن كل سيجارة يشعلها تزيد من فرص إصابته بالسرطان وأمراض قاتلة أخرى. فيما يأن آخر من سمنة مفرطة بسبب شراهته في الأكل. وأما النوم، فأكاد لا أبالغ إن قلت أن معظمنا لديه عادات نوم غير صحية إما في السهر الزائد أو قلة واضطراب النوم. كما أن الكثيرين لا يمارسون الرياضة بالقدر الكافي الذي يقيهم من الأمراض ويجعل أجسامهم رشيقة وسليمة.
ولو عرجت على غرفة «العلاقات الاجتماعية» لوجدنا حاجة ماسة للتغيير هناك أيضاً. فكم منا مقصر في صلة رحمه وتفقد أحوالهم؟ ماذا عن السؤال عن الوالدين وزيارتهم؟ ماذا عن قضاء وقت كافٍ مع الأبناء وشريك الحياة؟ والبعض قد يبتلى بقطيعة رحم أو خصومة مع صديق تمتد لسنوات ملؤها العناد!
ولنلقِ نظرة خاطفة على مطبخ «التعلم» حيث يفترض بنا أن نعد أشهى الوجبات المعرفية لعقلنا وفكرنا. سنجد أن كثيرا منا توقفت عجلة التعلم عنده مع نهاية الدراسة. وحتى طلاب المدارس كثير منهم يعتمد على ما تلقنه المدرسة من علوم دون سعي حثيث للاستزادة من مصادر التعلم الأخرى. أما القراءة فتكاد أن تصير عادة عند النُخب فقط لقلة من يزاولها.
وغير ذلك الكثير من جوانب و «غرف» الحياة التي لا تخلو من الفوضى. بلا شك، قد لا تعاني من الفوضى في كل هذه الغرف، ولكننا جميعاً نعاني من نوع أو أخر من فوضى متراكمة منسية في شققنا التي نعيش فيها ولو اختلفت النسب بيننا.
الغريب أننا نتمنى فعلاً حياة أفضل. نتحدث كثيراً عن أحلامنا بحياة روحية أرقى، وعادات صحية أفضل، وعلاقات اجتماعية أقوى. كما نتكلم كثيراً عن حاجتنا لتعلم المزيد وتثقيف أنفسنا. إلا أننا – في كثير من الأحيان – لا نفعل ما يكفي لنحقق هذه الأحلام، وكأننا ننتظر أن تتحقق هذه الأحلام لوحدها أو أن يحققها لنا آخرون دون جهد حقيقي منا. تماماً كصاحبنا الذي ينتظر الصيانة والخدم لسنوات وهو يعيش بين أكوام الفوضى. وكصاحبنا، اعتدنا هذه الفوضى في حياتنا، فصار طبيعياً أن يمارس أحدنا عادة قد تقتله كالتدخين، أو أن يقصر في زيارته لأهله أو يهمل تطويره لذاته لسنوات طوال. فما هو الحل إذاً؟
الحل هو أن ننهض من أريكة الكسل والخمول، وأن نباشر ترتيب حياتنا بأنفسنا. نبدأ بها غرفة تلو الأخرى، الأهم ثم المهم. ننفض الغبار عن أحلامنا، ونلون جدران المستقبل بألوان الأمل والتفاؤل. الحل هو ألا نكتفي بالتحسر على ما ينقصنا، ألا نبالغ في لوم الآخرين على ما نحن عليه، وأن نستبدل كلام الأعذار بالعمل والسعي الحثيث. لا تنتظر من أحد أن يدخل حياتك فجأة ليصلح كل ما فيها؟ لا يوجد عمال صيانة ولا خدم. «أنت» فقط من بيده – بتوفيق الله سبحانه – أن يجعلها حياة ناجحة وسعيدة كما تتمناها. ولكن عليك أن ترفض أن تبقى أي مظاهر للفوضى في حياتك. عليك أن تبدأ، تحرك و اسعَ فوراً للتغيير. وقريباً ستنعم بشقة رائعة، كل شيء فيها مرتب. تفوح فيها عطور النجاح، وتملؤها الفرحة والسعادة إن شاء الله.
والآن قل لي. متى ستدعوني إلى العشاء في شقتك؟

ليست هناك تعليقات: