الاثنين، 9 يونيو 2014

ستون ألف كيلومتر بدون راحة

شأني شأن الكثيرين من سكان الحي كنا نتطلع لهذه المحطة التي طال الحديث حولها، وكيف أنها ستحدث نقلة نوعية في محطات توزيع المنتجات البترولية «شيش البنزين»، وخصوصاً أنها تمتلك خبرة قادمة من وراء الحدود، وإن كانت حدودا مجاورة، لكنها أثبتت جدارتها. وكنت قد ذكرت هنا قبل أشهر كيف أني أخذت العائلة براً للإمارات، وبعد خروجنا من منفذ البطحاء ودخولنا أراضي دولة الإمارات، طلبت الصغيرة من أفراد العائلة «بيتزا»! قلت في نفسي: في هذه الصحراء! وعندما توقفنا في محطة الوقود، وجدنا كل شيء تقريباً، ووجدت للصغيرة «بيتزا مارجريتا بالفطر» طازجة.

ما نلاحظه الآن أن الكثير من محطات الوقود عندنا، وخصوصاً الواقعة على الخطوط السريعة قد أنهت مرحلة وضع واجهات «الكلادينج»، لكننا نبقى في نوعية الخدمات الأساسية واكتمالها وجودتها، فهي غير مكتملة بكل تأكيد. ولا أعرف لم لم نتمكن من انهاء معاناة المسافرين على الخطوط البرية لبلادنا المترامية؟، رغم انقضاء سنوات طويلة؛ فالشخص منا يعاني، فالخدمات المتاحة حقيقة: بنزين، محل بقالة، أكشاك قهوة تبيع «غرشة» الماء المحلية الصغيرة بريالين وكوب القهوة بعشرة ريالات! يعني ما أن تترجل من السيارة حتى يبدأ مسلسل الدفع وكأنك في شارع «التحلية». وحتى إن كنت لا تمانع الدفع وتريد إضافة لذلك أن تغسل وجهك مثلاً، فقد لا يكون ذلك متاحاً في بيئة غير صحية ناقلة لأمراضٍ قد تكون «كورونا» أقلها فتكاً! لا أعرف إن كنتم تتوقفون عند تلك المحطات أم لا، كمسافر أحاول قدر المستطاع تفادي تجربة الوقوف، لكني لست مقتنعا بذلك التفادي، فبعد انتظار سنوات وتهديد ووعيد ومهل امتدت لسنوات، ما برحت المحطات تماطل وما زال المسافر يعاني.

قبل نحو شهر قدت السيارة من واشنطن دي. سي إلى بوسطن، مدة الرحلة سبع ساعات. وتوقفت هناك في أكثر من استراحة على الطريق أصابتني بصدمة حضارية لم تصبني حتى عندما رأيت ناطحات نيويورك لأول مرة في السبعينيات! فالاستراحة متمركزة في الوسط بين خطي الذهاب والإياب، على مساحة خضراء، وبها مبنى ضخم يضم كل الخدمات التي تخطر على بال المسافر «من كل الفئات العمرية» أن يحتاجها. وهذا ما يفسر سبب الزحام، وارتخاء المسافرين على الكراسي وكأنهم ليسوا في عجلة، أحد يأكل وآخر يشرب، ومعظمهم يتحدثون على مهل. أخذت فنجاناً من القهوة، واستوقفني محل لبيع المنتجات العضوية «organic food»، من منتجات زراعية ومنتجات ألبان وأغذية مخصصة لأصحاب الحمية والحساسيات. هذا المركز شيد بأموال الحكومة المحلية للمقاطعة التي يقع فيها، وأُجرت المحلات، وبذلك أصبح يوفر من المال ما يكفي لتغطية نفقاته وربما يفيض بعض الدخل لخزانة الحكومة المحلية.

هذه صيغة مباشرة من صيغ الخصخصة، وحتى إن كان ليس هناك رغبة للخصخصة، فبوسع الجهة المعنية أن تشيد مثل ذلك المركز وفق مواصفات ملائمة تتفق مع استخدامات ومتطلبات المسافر هنا، وتؤجر على المستثمرين الراغبين، وتوكل مهمة إدارتها لجهة مهنية محترفة، وبذلك ننهي جدلاً لم ينته منذ عقود. والغريب في هذا الجدل، أنك ما أن تطرحه حتى يقول لك أحدهم إنه يوجد تعميم أو قرار أو دراسة أو لجنة تدرس هذا الموضوع.

تبلغ أطوال الخطوط الاسفلتية 60 ألف كيلومتر وهي مرشحة للزيادة بنحو الربع في حال اكتمال المشاريع القائمة، ويأتي للمملكة ملايين الحجاج والمعتمرين والزوار إضافة لمن يقصد بلادنا للاستثمار وللسياحة من دول مجلس التعاون، ومع ذلك فما زال من أحاديثنا الاستفتاحية التقليدية تناول خدمات محطات الطرق، تماماً كما أن أحاديث الانجليز الاستفتاحية التقليدية هي عن الطقس! هناك من يعول على تغيير محطات الوقود كسوة مبانيها من الصبغ والحجر إلى «الكلادنج» سيرفع من مستوى خدمة تلك المحطات، وهناك من لا يأخذ أمر هذه الخدمات على محمل الجد، والدليل مضي دهور دون أن نرتقي بخدمات المحطات الواقعة على الطرق السريعة بما في ذلك الدولي منها. لكن المنطق يقول ان هذا الأمر غاية في الأهمية لاعتبارات ليس أقلها ما ننفقه من مليارات لمدّ وصيانة الطرق، وما ننفقه لبناء وصيانة وتحسين المطارات، وما ننفقه لبناء وصيانة ومدّ شبكات القطارات. نفعل كل ذلك لحاجة المجتمع للتنقل بأمان وراحة وبرسم أفضل صورة عن بلادنا لمن يزورها. أستطيع أن أقول بكل ثقة إننا لا نحاول بما فيه الكفاية.

ليست هناك تعليقات: