السبت، 7 يونيو 2014

والليل إذا سجا

يقول الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي من قصيدة طويلة:
"ولكنني في المساء أبوح
أسير على ردهات السكينة
وأفتح أبواب صدري
وأطلق طيري
أناجي ضياء المدينة
اذا ما تراقص تحت الجسور
أقول له: يا ضياء اروي قلبي
فاني أحب..".
لماذا لا يكون "البوح" إلا في الليل؟ لماذا لا تكشف الرغبات عن نفسها إلا تحت موجات الظلام؟ 
لماذا لا يكون النهار هو الفضاء الأوسع لتناسل الرغبات؟ النهار والليل توأمان نقيضان تناقض الوضوح والقمة تناقض الرؤية وخفائها.. فلماذا يكون خفاء الرؤية أكثر سخاء بالاماني من حضورها؟
لا تظن ان هذه الاسئلة صعبة الاجابة.. فبنظرة واحدة الى حياة الانسان الداخلية تجد ان النهار يأخذه الى حيث الناس في زحامهم اليومي اللاهث، الذي هو نفسه في تياره.
انه ليس وحده.. وليس أمامه إلا مرآة الناس، وهي مرآة جماعية لا تعكس الوجوه كما هي في حقيقتها.
فهي تعكس الوجوه، وقد ارتدى كل وجه قناعه الخاص الذي يلبسه كل فرد ليبدد كما يحب ان يراه الناس، لكنه في الليل تختفي من أمامه المرآة الجماعية، ويبقى أمام نفسه الداخلية.. أمام مرآته هو.
وهنا يخلع أقنعة النهار وتظهر أمانيه وتطلعاته وحتى حزنه وفرحه يستطيع البوح بهما أمام مرآته.
"نهاري نهار الناس حتى اذا بدا
في الليل هزتني اليك المضاجع"
هكذا يقول الشاعر القديم موضحا بدهية لا تحتاج الى ايضاح وهي ان النهار خيمة مشتركة بين الناس أمام الليل، فهو خيمة الفرد وحده.
وقد تحول كل من الليل والنهار الى رمزين، فقد خرجا من قنصهما القاموسي، فأصبح النهار عند الشباب رمزا للعمر:
"رحل النهار
ها انه انطفأت ذبالته على أفق توهج دون نار... الخ".
أما الليل فانه قد تحول الى باقة من الرموز المتناقضة عند بؤساء الشعر قديما وحديثا، فهذا يراه وقد "شدت نجومه بيذبل" وذاك يراه "بطيء الكواكب" لأنه يهبل عليه الهموم بلا حمة، حيث يصبح "أطول من ساعاته" أما الآخر فيراه قصيرا كأنه مذعور من شيء يلاحقه بسهم:
"فيالك من ليل تقاصر طوله
وما كان ليلي قبل ذلك يقصر
نسبت اسم المطرب المصري الذي حول النهار رمزا للفرح، حين قال:
(عدوية اهه
ضحكتها نهار).

ليست هناك تعليقات: