في هذا الصيف تكاثرت الأسفار، وأصبح التنقل ما بين المطارات حالة راتبة. وما أصبح - فيما يبدو - راتباً وصول الرحلة على الموعد والتأخر في فتح بابها وإطلاق وانعتاق الركاب إلى شئونهم التي سافروا من أجلها.
وبالقطع، فإن تجربتي متحيزة وشخصية، لكني أؤكد لكم أني لم أكن أسافر لوحدي، فكل الرحلات الداخلية التي استنفدت تقريباً بطارية الهاتف الجوال، محاولاً لقطع الوقت بالتنقل بين المواقع والرسائل بعد أن حطت الطائرة ووقفت وقوفاً تاماً ثابتاً مستقراً لا لبس فيه، لم أكن لوحدي، بل كانت رحلات مجدولة تعج بالركاب، ووصلت على وقتها.
كل ذلك لم يشفع لتلك الرحلات في أن تفتح أبوابها على عجل. وبالتأكيد هذا محل استياء عظيم. كان آخر تلك التجارب - غير السارة - في الأسبوع الماضي، في رحلة من الدمام إلى الرياض. في تلك الرحلة لاحظت ما لا يقل عن أربع حالات طبية، بمعنى أنه كان بادياً أنها استقلت تلك الرحلة قاصدة الرياض؛ للعلاج أو لمراجعة طبيب، إحدى تلك الحالات كان طفلاً معاقاً يحمله والده، والحالات الأخرى كانت لكبار السن تم ايصالهم للطائرة بمقاعد متحركة.
وصلت الرحلة، ومكثنا مكوثاً طويلاً لدرجة اضطرت الطاقم للاعتذار بأن التأخير ناتج عن أسباب خارجة عن إرادة الكابتن والطاقم، ومرجعها لعدم وجود شخص ل ”استلام الرحلة وفتح الباب“!
أمر عجيب بالفعل، هل الموظف المسئول عن استلام الرحلات يعمل متطوعاً أم يستلم أجرا؟ بالقطع يستلم أجرا.. وما دام الأمر كذلك فلماذا يقوم بتأدية واجبه ”حسب الرغبة والمزاج“؟ ولماذا لم يتنبه المسئول عنه عن تقصيره؟ ولماذا لم ينتبه مديرهما عن تقصيرهما؟ لعله لم يلاحظ أنه استباح أوقات عشرات من الركاب، وسطا على ما لا يقل عن 30 دقيقة من أوقاتهم، فهل هذا من حقه؟ الوقت هو أهم ما نملك، فالأجل هو وقت، وإن اعتدنا أن يهدر بعضنا أوقات بعض باعتبار أن ذلك أمر ثانوي فعلى الدنيا السلام.
أذكر في إحدى المرات كنت في رحلة إلى مطار شارل ديجول في باريس، وكان عمال الخدمات الأرضية في ذاك المطار مضربين، ومع ذلك عندما حطت الطائرة قدمت الخدمات لها حسب المعتاد، ولم أفهم كيف كانوا مضربين؟ قبل وصولي على رحلة الدمام - الرياض التي أقلعت على الوقت ووصلت على الوقت، لكنها لم تجد من يستلمها، قبلها كنت على رحلة لطيران الاتحاد قادمة من لندن عبر أبوظبي، لم ألحظ تأخراً في فتح الأبواب، بل ما لحظته ما أن تقف الطائرة حتى تفتح الأبواب ويخرج الركاب. وأخذت أسترجع كل الرحلات التي سافرت عليها على مدى الأسابيع الماضية، ولاحظت أن الرحلات التي تصل لمطار الملك خالد الدولي كان فتح باب الطائرة ووضع السلم ووصول الباص أمراً يتطلب انتظار الركاب.
بالتأكيد هذه تجربة شخصية، وأدرك أن هناك احتمالا أن كل الرحلات التي لم أكن عليها فتحت أبوابها ما أن وصلت، ولذا فأنا لا أعمم بل أقول: كيف يمكن التغلب على التأخر في فتح أبواب الرحلات بعد وصولها في مطاراتنا؟ وكيف يكون ذلك أحد المعايير؟ وقد تكون أحد المعايير إن كان قبطان الطائرة يرصد ذلك في تقريره عن الرحلة.
عموماً، تقسم أنشطة المطارات إلى جزءين رئيسيين؛ جزء الطيران والجزء الأرضي، وجزء الطيران - في حالة الوصول - ينتهي بالوصول للبوابة، فيما يبدأ الجزء الأرضي بما يسمى ”الرصيف“، باعتبار أن المطار مرفأ جو، وللمرفأ أرصفة. وهكذا، فإن حديثي ليس عن أمر هامشي بل عن استلام الخدمات الأرضية للرحلة عند الرصيف، ومن المتوقع أن تكون الخدمات الأرضية في انتظار وصول الطائرة لاستلامها واستقبال ركابها. وهذا يأخذني إلى سؤال: هل تنشر هيئة الطيران المدني لدينا تقارير عن جودة الأداء في مطاراتنا المدنية؟
بزيارتي لموقع الهيئة على الانترنت، لم أجد لمثل تلك التقارير أثراً، في حين ستجدها متاحة للعديد من المطارات الأجنبية. وقد يكفي أن تصرح الهيئة لنا - للعموم - عن مدى رضاها هي عن أداء مطاراتنا، وكيف ترتيبها حسب معايير الأداء المعتبرة، وكيف يقارن كل منها مع المطارات الأخرى وخصوصاً المجاورة لنا؟ المطارات وخدماتها هي صناعة ونشاط نأمل منه أن ينافس وأن يساهم في تنويع اقتصادنا وحفز السياحة وحسن استقبال المستثمرين وأصحاب الأعمال، والهيئة مقرة بهذا الأمر فقد طرحت صكوكاً وسمحت لعشرات المحلات لبيع القهوة والمأكولات والعصائر، لكن كل ذلك يرتكز على لبّ الموضوع، وهو التعامل الكفء مع المسافرين، ويأتي على سنام الكفاءة التعامل مع وقت المسافر باحترام جم؛ بالحفاظ عليه وعدم تبديده وإهداره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق